يوماً بعد آخر تزداد المخاوف نتيجة التهديدات التي يتعرض لها الوطن ووحدته الوطنية، ومصدر هذه التهديدات التي زرعت فينا الخوف على مستقبل هذا الوطن تكمن في الدعوات الانفصالية التي يتشدق بها بعض الذين يريدون تحقيق مصالح ذاتيه على حساب وحدة الوطن واستقراره، والمصدر الثاني لهذه التهديدات وهو الأخطر يتمثل في الممارسات الانفصالية التي يمارسها النظام الحاكم من قهر وظلم واستبداد ضد أبناء الشعب اليمني عامة، وأبناء المحافظات الجنوبية بشكل خاص، حيث انتهج النظام ومنذ أن أعلن الحرب علىِ شركاء الوحدة في الجنوب سياسة الالغاء والاقصاء عن طريق نهب الثروات والأراضي، وإحالة أبناء المحافظات الجنوبية إلى التقاعد ليؤسس بذلك لمرحلة جديدة تكون فيه الدولة ملكاً شخصياً للحاكم ومن يسير في مداره. هذه الأعمال التي يمارسها النظام قضت علي كل القيم السامية للوحدة اليمنية التي كان يعيشها وجدانياً أبناء الشعب اليمني في المحافظات الشمالية والجنوبية منذ أن كان يرضخ تحت حكم نظامين شموليين يتبع كل نظام منهما أحد المعسكريين الذي يقوم بدعمه ضد الآخر، لكن هذا الشعب العظيم استطاع بإرادة أبنائه أن يجعل من الحلم حقيقةً ملموسةً مع بزوغ فجر الثاني والعشرين من مايو منتقلاً بذلك من مرحلة التبعية إلى الحرية ومن مرحلة الديكتاتورية إلى الديمقراطية التي كرسها الدستور الوحدوي؛ لتفتح الوحدة اليمنية صفحةً جديدةً ومشرقةً تقوم على الشراكة والمساواة بين جميع أبناء الشعب الواحد، وتكفل لكل يمني جميع حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية تفرض عليه الواجبات تجاه الوطن، فكانت الوحدة تعبيراً عن الشعور الوجداني الذي كان يشعر به أبناء الشعب اليمني من أن هذا الشعب هو شعب واحد, وهذه الأرض هي أرض واحدة لها نفس اللغة والدين والعادات والتقاليد والقيم، لذلك لم يكن مستغرباً أن تكون الدعوة إلى تحقيق الوحدة اليمنية قد بدأت عقب تحرير الوطن من الاحتلال البريطاني في جنوبه، ومن الحكم الإمامي الجبروتي في شماله. لكن الدعوات التي أطلقها اليمنيون إلى تحقيق الوحدة دائماً ما كانت تلاقي معارضة شرسة من أعداء الوطن، فعملت هذه الشرذمة على استخدام كل ما يستطيعون في سبيل إفشال تحقيق الوحدة، ولعل أهم ما يشهد على ذلك حين بنى الشهيدان إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي «سالمين» اللبنات الأولى لتحقيق الوحدة متفقين على التوقيع عليها في الاحتفالات بثورة 41 اكتوبر المجيدة، لكن أعداء الوطن اغتالوا الشهيد إبراهيم الحمدي في 11 اكتوبر 7791م قبل يوم واحد من سفره إلى عدن لإعلان المبادئ الأولية لتحقيق الوحدة، واستطاع أعداء اليمن وباستخدام رجال القبائل هدم مشروع بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة، والقضاء على نفوذ القبيلة التي زرعت الجهل والتخلف في الوطن. ولا يخفي على أحد أن من قاموا باغتيال مشروع الدولة الحديثة ورائدها الشهيد إبراهيم الحمدي، هم من يعملون اليوم وبكل الوسائل على تمزيق الوطن الواحد والقضاء على وحدته المباركة، تارةً عن طريق دعم من يرفعون الدعوات الانفصالية من أصحاب الأصوات النشاز، وتارة أخرى بصرف الرواتب لشيوخ القبائل والقادة العسكريين الذين يقومون بنهب ثروات البلاد والاستيلاء على أراضيه وسرقة ثرواته لتحقق بذلك أهدافهم الخبيثة، وعلى طريقة «فرق تسد» الهادفة إلى تمزيق الوطن اليمني إلى أكثر من كيان، ويتحقق بذلك المشروع الرجعي الهادف إلى القضاء على كل الخطوات التي يقوم بها الشعب العربي على طريق الوحدة العربية الشاملة. إن هذه الأيادي الخبيثة لم تقم بأعمالها هذه إلا طامعةً أن تبقى الأمة العربية في حالة هوانها وذلها وفسادها الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى «ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون» وهؤلاء الملوك هم من عرفناهم في كل المواقع بمواقفهم المخزية تجاه قضايا الأمة العربية، سواءً في العراق الذي دعمت احتلاله وفتحت أراضيها وأجواءها لجيوش الاحتلال، أو في فلسطين التي لم تقدم لها أي شيء سوى مبادرات الذل والخنوع، أو لبنان الذي طعنت المقاومة اللبنانية من ظهرها وعملت وما تزال على دعم بعض الأطراف اللبنانية ضد المقاومة والقوى العربية والقومية الأخرى، مكرسةً بذلك لمنهج الخنوع والخضوع الهادف إلى القضاء على كل المشاريع القومية والتحررية لهذه الأمة. لم يعد يخفى على أحد أن تلك الدولة الرجعية التي تربعت عرش ما يسمى بالقاموس الصهيوأمريكي بدول الاعتدال، بعد أن أثبتت نجاحها بتقديم مبادرات الذل والاستسلام لأعداء الأمة، وهي نفسها من تقوم اليوم باستهداف الوحدة اليمنية والقضاء عليها عن طريق تغذية الصراع بين أبناء الشعب الواحد رافعة شعار «تحرير الجنوب» دون أن تعلم أن أبناء المحافظات الجنوبية هم من يحملون مشروع الحلم العربي والإسلامي المتجسد بالشعور الوحدوي والقومي منذ بداية التاريخ، فالمواطن في المحافظات الجنوبية الذي يحمل هذه الثقافة المدنية والوحدوية، هو من نصب في زمن التشطير أحد أبناء المحافظات الشمالية في أعلى المناصب السياسية على اعتبار أنه يمني، فضلاً عن الإيمان يقيناً أن اليمن جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الواحد، وعلى ذلك لم يكن مستغرباً أن أبناء المحافظات الجنوبية قد جسدوا هذه الثقافة الوحدوية بأن كانوا السباقين إلى تحقيق حلم الوحدة اليمنية وقدموا الكثير من التنازلات في سبيل تحقيق الوحدة اليمنية. صحيح أن أبناء المحافظات الجنوبية ومعهم أبناء الشعب عامةً ضحايا نظام 7 يوليو الذي انقلب على شراكة الوحدة وعلى جميع مبادئها السامية حين ربط الوحدة بالموت وأشعل حرب 49 من أجل تحقيق مصالح شخصية ضيقة عن طريق سياسة الإقصاء والإلغاء للآخر، وهذا النظام عينه الذي يعيش اليوم بلا دم وبلا ضمير، لا يأنف أنه يستخدم السلاح اليوم في وجه أبناء الشعب في صعدة وردفان كي ينهب ثروات البر والجو والبحر لصالح حفنة من الحاشية الذين تقاسموا أرض الوطن ودماء أبنائه. لكن يجب ألا تكون هذه الأفعال والجرائم التي يرتكبها نظام 7 يوليو مبرراٍ للقضاء على ثقافة الوحدة بكل ما تحمله من معاني الحياة، وكل ما تحمله من آمال وتطلعات إلى الوحدة العربية الأم؛ لأننا إذا جردنا أنفسنا من ثقافة الوحدة نكون قد أضفنا إلى هذا النظام مجداً لا يستحقه حين نربط الوحدة بشخص حاكمه المستبد. إن التحديات التي فرضها أعداء اليمن في الداخل والخارج تحتم على جميع أبناء الشعب اليمني الوقوف اليوم صفاً واحداً خلف راية الوحدة، التي بذلنا الكثير في سبيل تحقيقها ويجب أن نجسد هذا الشعور برفع راية التصالح والتسامح بين أبناء الشعب الواحد حين نعبر عن رفضنا المطلق للانفصال والانقلاب على الوحدة، بل يجب ان تكون مطالبنا جميعاً هو انفصال نظام 7 يوليو عن السلطة التي يمتلكها كل يمني وأن نسير في طريق النضال السلمي، وبيد واحدة، حتى نستعيد جميع الحقوق المسلوبة والأراضي المنهوبة بعيداً عن شخصنة الوطن وإعطائه التبعية لمن لا يستحقه من عناصر نظام 7 يوليو الذين عاثوا في اليمن فساداً ومارسوا أفعالهم الخبيثه باسم الوحدة وهي منهم براء. فالخطر قادم وأعداء اليمن يتربصون بهذا الوطن منتظرين الفرصة حتى ينقضوا مشعلين نار الفتنة، التي لو اشتعلت فلن تنطفىء بعد ذلك، لكن شعار اليمن أولاً كفيل بألا تقوم لأعداء اليمن قائمة، ولذا سيكون شعارنا وحدويون حتى النخاع وليذهب نظام 7 يوليو إلى الجحيم.