عبد العزيز المقالح: ما زلت أحلم بقصيدة العمر

  • الوحدوي نت - الجزيرة نت
  • منذ 10 سنوات - Saturday 03 August 2013
عبد العزيز المقالح: ما زلت أحلم بقصيدة العمر

على ضفاف الحزن الشفيف كتب الشاعر اليمني عبد العزيز المقالح (1937) أولى محاولاته الشعرية وهو بعد طفل، نشرها باسم "ابن الشاطئ"، غير مصدق أن ما يكتبه شعر. ومن إيقاعات حزن جمع أيضا محاولاته الشعرية في ديوان سماه "دموع في الظلام"

الوحدوي نت

كانت أولى قصائد المقالح الموقعة باسمه تحمل اسم "من أجل فلسطين" أواسط خمسينيات القرن الماضي، وظلت فلسطين وقضايا الأمة منذ ذلك التاريخ قبسا مستمرا في دواوينه الكثيرة، وبعد أن أصبح شاعرا وناقدا ومثقفا علما.

يعد المقالح رائد القصيدة اليمنية المعاصرة، ويدين له أجيال من شعراء اليمن الشباب بالأبوة الرمزية، وهو مع علي أحمد باكثير (1910-1969) يعد من أبرز الأدباء اليمنيين الذي لهم حضور وحظوة كبيرة في الوطن العربي.

بعد نصف قرن أو يزيد من السفر في أضواء الكلمة الجميلة شعرا ونثرا يقف الشاعر والناقد اليمني الكبير متأملا بين قصيدة كتبها وأخرى يحلم بمجيئها، ويفتح نوافذه في انتظار أشعتها. وفي هذا الحوار مع الجزيرة نت طرف من هذا التأمل.

حاوره في صنعاء – عبدالغني المقرمي:

مشوار طويل جمع بينك وبين القصيدة عبرتما فيه عوالم من الدهشة والإثارة. أنت وهذا الكائن الجميل ما الذي منحَ كلا منكما الآخر؟

- عادة يجاب على مثل هذا السؤال بإجابة تقليدية، مفادها أن تقييم تجربة الشاعر –أي شاعر- بعطاءاتها ونجاحاتها وإخفاقاتها متروك للنقاد، ليقولوا فيها كلمتهم، وقديما قال الشاعر أبو الطيب المتنبي: ابن جني أعلم بشعري مني، لكني أقول بكل تواضع: إنني أعطيت الشعر الجانب الأكبر من حياتي، وأنه لم يبخل علي، وأعطاني شيئا مما كنت أحلم به، وأقول شيئا، ولم أقل كل ما كنت أحلم بقوله، فقد كنت -وما زلت- أبحث عن قصيدة العمر، التي يظل الشعراء يحلمون بها طوال حياتهم، وما زال عندي أمل بأن تأتي هذه القصيدة في يوم من الأيام.

لكن مجيء هذه القصيدة ألا يعد إعلانا بانتهاء رحلة الشعر على اعتبار أن الحنين إليها هو هاجس الكتابة؟

- الحديث عن قصيدة العمر لا يمنع من مواصلة قرع أبواب الشعر، وتقبّل ما يأتي منه تلقائيا، فلم يحدث -لا سيما في السنوات الأخيرة- أن توقفت عن كتابة الشعر، وهو من وجهة نظري حال كل المهمومين بالإبداع الشعري، إذ يأتيهم بعض ما يحلمون به، وبعض ما لا يحلمون به أيضا، وتجربة الشعراء الكبار في الماضي والحاضر تؤكد أن على الشاعر ألا يغلق النافذة تجاه ما يأتيه من هذا العالم الجميل والعصي في الوقت نفسه.

 

وأنت تشرع نوافذك للقصيدة كشاعر هل تعيش حضورها ناقدا أيضا؟ وكيف يمكن المقاربة بين تلقائية الشعر وصرامة النقد أثناء الكتابة؟

 

ـ في استطاعة الشاعر الذي يتعاطى النقد أو الناقد الذي يتعاطى الشعر أن يفصل بين هاتين الحالتين: حالة الكتابة الشعرية، وحالة الكتابة النقدية، وإذا جاز للناقد أن يستعين بحدسه الشعري أثناء تعاطيه النقد فإن من واجبه أن ينسى أنه ناقد أثناء الكتابة الشعرية، لأن لحظة حضور القصيدة إنما تنبثق عن العفوية والتلقائية والانبهار بهذا الكائن الجميل، والاستمتاع بحضوره وألقه، وهذا لا يمنع الشاعر فيما بعد من أن يجري على نصه الشعري بعض المراجعات النقدية التي يرى أنها ضرورية لإبرازه بصورة أبهى فنية وأكثر إشراقا.

وفي اعتقادي أن شعرنا العربي المعاصر تجاوز جدلية هذه الثنائية، خاصة أن كبار النقاد فيه شعراء، مثل أدونيس وعلي جعفر العلاق وكمال أبو ديب وحاتم الصكر، وأسماء أخرى كثيرة استطاعت أن تحقق حضورا لافتا في الحقلين: حقل الشعر والنقد.

في الوقت الذي يغيب عن المشهد الشعري العربي عمالقة القصيدة لا نجد أصواتا شعرية من جيل الشباب بالمستوى الإبداعي لجيل العمالقة.. فكيف تستشرفون مستقبل القصيدة في ضوء هذا التآكل الفني؟

- أفهم جيدا قلقك.. ولكنني شديد التفاؤل بأن في هذا الجيل من المبدعين من يحمل راية الشعر باقتدار، ويهيئ نفسه لكي يحل محل الراحلين العظام، وقد لا يكون بنفس المستوى، لكنه مع ذلك قادر على أن يحفظ للشعر مكانته، ودوره في الحياة.

ويحضرني ونحن نتحدث مجموعة من الأسماء الجميلة التي أثبتت وجودها بصورة باعثة على الأمل، وكل ما تحتاجه هو مزيد من الوقت، فالشعراء العمالقة الذين أشرت إليهم في سؤالك لم يشرقوا في فضاء القصيدة بين ليلة وضحاها، ولكنهم أخذوا وقتا طويلا، حتى صارت لهم هذه المكانة التي يعتزُّ بها الجميع.

أكرر أن في هذا الجيل من الشعراء الشبان من يكتبون القصيدة في شكلها الموروث أو الحديث والأحدث مَن سيرثون الرواد، ويتركون بصماتهم على الواقع الشعري كأفضل ما يكون شريطة ألا يصابوا بالكسل، أو يعتريهم شعور بالعظمة العاجلة، أو يقعوا فريسة الاستعجال.

وإذا كان هذا على المستوى اليمني فإن الأمر لا يختلف كثيرا عن المستوى العربي، حيث يختفي شعراء كبار كان لهم وزنهم وأصواتهم، ويبدأ بالتخلق شعراء جدد، ستكون لهم مكانتهم وأصواتهم، فالحياة لا تتوقف، وآدابها وفنونها لا تموت.

ما الذي جنته العولمة على الثقافة العربية عامة والقصيدة منها خاصة؟

- مما لا ريب فيه أن العولمة جنت على العالم العربي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وجنايتها على الثقافة والأدب كانت أفدح، فهي جناية تلامس الروح والهوية، وتسعى إلى خلخلة مفاهيم ورؤى، ونشر النمطية، والعدوان على اللغات، واستهداف الأمة في أخص خصوصياتها.

وقد يكون الشعر أول ضحايا هذه الهجمة الخطيرة، وتكاد تطالع ذلك فيما بات يسمى القصيدة العالمية أو الكونية التي تتماثل أشكالها ورؤاها من الصين إلى أميركا إلى أوروبا إلى الوطن العربي، وقصائد هذه الموجة عديمة الانتماء، فاقدة الهوية، ولا معايير متينة تحكمها، وكثيرا ما يراها فاقدو الموهبة مدخلا سهلا لحضورهم المفاجئ على خارطة الشعر المزعوم.

في عصر الفضائيات، وتسيّد الصورة بتقنياتها الحاسوبية المذهلة.. ما الذي يفعله نص شعري أعزل أمام هذه الموجة الطاغية من الفن؟

- الصورة هي شعر أيضا، وفي إمكانها أن تمد من عمر الشعر، وأن تزيد من تأثيره، والكاميرا ما لم تستعن بالشعر تظل جامدة، تنسخ ما هو موجود ومرئي، وإبداعها الحقيقي يتوقف على اقترابها من الشعر واعتنائها بما يقدمه من أخيلة وظلال، وهذا ما نلمسه في بعض الأفلام، وفي بعض ما تلتقطه الكاميرا من مشاهد طبيعية مغمورة بشعرية الطبيعة وأنغامها.

بمقدور القصيدة والصورة أن يستعين كل منهما بالآخر في تحقيق شهود فني زاخر ورائع، وليس ثمة تنافر بينهما، وستظل القصيدة متجددة وحاضرة في قلب الأزل، ومهما أبدع الإنسان من فنون الإثارة فإن القصيدة تظل هي الأكثر إدهاشا وإثارة.