بكر أحمد يكتب : حديث فن القومية

  • منذ 18 سنة - Tuesday 14 February 2006
بكر أحمد يكتب : حديث فن القومية

 

هناك فرق بين العربي العادي والإنسان  العروبي ، وهذا الفرق أتسع حاليا حتى أنه  أصبح من الصعب رتقه أو التقريب فيما بينه ، و  كون الإنسان عربيا ، فهذا أمر لا يعني إطلاقا ارتباطه بمحيطه وجدانيا وعاطفيا وبالتالي تكوين رابطة أسمى وأعلى من القبيلة وأرقى من  التمذهب والأديان .
فالعربي هو ذاك الإنسان الذي ولد من أبوين عربيين ويتحدث اللغة العربية كلغة تواصل بينه وبين الآخرين ، بينما العروبي هو الإنسان الذي رأى في العروبة سبيل نحو خلق جيل جديد أكثر تحررا وأكثر رغبة في الاستقلالية عن الآخرين من خلال صنع دولة قوية تعتمد على مواردها الذاتية في تأسيس مركز جديد يشارك العالم في حضارته الحالية ، بانيا كل ذلك على الإرث الثقافي والاجتماعي والسياسي واللغوي الكبير الذي تحتويه  ، و جاعلا منه رديفا متلازما نحو الحداثة   .

لذا قد نعٌرف القومية العربية كما ورد في المعجم العربي الأساسي ( ص 1016) هي صلة عاطفية تنشأ من الاشتراك في الوطن واللغة والتاريخ ، وهي دعوة للتضامن والتعاون بين أولئك الذين يشتركون في الوطن واللغة والتاريخ ، وهي تكريس لهوية مشتركة والاعتداد بها ، وتمييز لها عمن يحملون أو يعتدون بهويات أخرى مختلفة . ولفظة القومية مشتقة من ( قوم )  وهي الجماعة التي تنحدر من جد واحد حقيقي أو مجازي وبالتالي يعتبر أفرادها أنفسهم أقارب مثل الأخوة أو أبناء العمومة .

والقومية العربية هي الوحيدة التي تعتبر من أكثر  القوميات التي ظهرت في العالم  اعتدالا وتسامحا وتقربا من الآخر ، حيث أنها لم تذهب مذاهب الغلو في منهجها الرسمي أو ألتنظيري ، كما أنها لم تقم إطلاقا على العرق أو الدم ، بل نشأت على أساس اللغة والتاريخ ، وهذان العاملان هما من العوامل الإنسانية والتاريخية الراقية جدا والتي من خلالها أستطاع القوميون العرب أن ينحوا بذواتهم عن العنصرية ولم يقعوا بها مثل الآخرين ، كما أنها تجاوزت معضلة الدين في وقت مبكر على يد روادها الأوائل وعلمت بأن الدين والتمذهب هو عامل تفريق بين أبناء   الأمة  الواحدة ، ورأت أن تعدد الأديان والمذاهب في الأمة العربية به شيء من الإثراء الحضاري الكبير  بحيث لا يجب إقصاء دين أو مذهب  لصالح آخر .

وإذا كانت الوطنية هي مكان المولد والإقامة و  تشير إلى المكان ، ومن الطبيعي حب هذا المكان والدفاع عنه ،  فالقومية هي الساحة الأرحب لأمة وجماعة وتشير  بطبيعة الحال إلى الإنسان ،والعلاقة بين الوطنية والأمة ( القومية )  هي علاقة عضوية  لا يمكن فصلهما أو بترهما مهما كانت الأسباب والدواعي .

إذا لماذا لا يكون الوطني أو العربي  عروبيا وما هو الحائل دون ذلك ، وخاصة أن الدلائل التاريخية والصيرورة الطبيعية تحتم انتماء الإنسان إلى جماعة للحماية والرقي والتضامن ومن ثمة التوحد التام  ، أن السبب الحقيقي وراء ذلك _ حسب اعتقادي _  هو أن  كل قطر عربي صار  يحي من عاداته وتقاليده ولهجاته المحلية ويصر على إبرازها مقابل الفصحى والأدب العربي لتحل محلها المجلات    والقنوات الفضائية التي تروج للنبطي والمحكي ، حتى يتم الإيهام بوجود كيانات مستقلة تاريخية وثابتة والتشهير بالعروبة بمفهومها الحضاري والثقافي الراقي  ، مما ينتج عنه وتلقائيا أحساسا  يعتري الفرد بتميزه عن باقي العرب وبالتالي عدم الشعور الفعلي بالانتماء العروبي وتصير القبيلة هي منتهى الوعي والفهم  ، هذا  التحول التنازلي عن مبدأ راقي مثل الأمة وإحلال بدلا عنها مفهوم آخر أكثر ضيقا، هو أحد أسباب عدم وجود ذاك الشعور العروبي بين المواطنين العرب والذي به من المفترض أن يكون شعورا طبيعيا لا يتعارض أبدا  مع الشعور الوطني ، وهو ما أوصلنا إلى مستوى متدني جدا ، و    جعل ثرواتنا ومدننا ودولنا عرضة للاحتلال الدائم والمكرر  ، وخاصة أن الدولة القطرية أثبتت فشلها في أحداث أي تغيير فعلي على المستوى التنموي أو الثقافي أو السياسي  .

 أن هزيمة أي أمة يجب أن تبدأ من الداخل  أولا ، مبنية على التفريق و على خلق شعور بالوحدة وتربص من حوله به ، فيلجأ تلقائيا نحو القوي الأجنبي ليحتمي به على حساب جاره وشقيقه ، وهذا ما نراه ظاهرا للعيان في وقتنا الحالي ، كما أنه مر علينا في التاريخ مع ملوك الطوائف في المشرق والمغرب ، وهي عادة عربية توارثناها منذ ما قبل الإسلام ومازلنا .

فكل ما يحدث الآن ويجري لا يمكن له أن يتجاوز حقيقة أن العرب هم أمة واحدة وجدت قبل اليهودية والمسيحية والإسلام ، وان العرب لهم إثراءات سياسية وثقافية واجتماعية عندما كانوا جميعا تحت قيادة واحدة ، فالأمة اليونانية هي الأمة اليونانية في عهدها الوثني والفلسفي وفي عهدها المسيحي ، والأمة الروسية هي الأمة الروسية في عهدها المسيحي والقيصري والشيوعي ، كذا هي الأمة العربية تبقى أمة واحدة بمختلف العصور والأوقات ، ولا ينفي عنها إطلاقا مفهوم الأمة  قيام الدويلات العربية والتشدق بالوطنية والمحلية وإبرازها بهذا الشكل مقابل العروبة وكل ما تحتويه من وعاء حضاري ضخم  .

عليه أفهم جيدا هذا الانحسار المؤلم للفكر القومي ، فالقروية هي ثقافة العربي الحالية ، ومنذ ظهور أول كتاب عربي يحمل صراحة أسم  ( الأمة العربية للكاتب(  للعربي اللاجئ نجيب عازور عام 1905م وفيه دعا الكاتب العرب إلى الانفصال عن الدولة العثمانية ألتي مارست دور بارزا في القطيعة الثقافية التي مر رنا بها   ، وتتالي وتنامي الفكر  القومي وعبورا بالثورة العربية الكبرى وانتكاستها إلى معاهدة سايكس بيكو وقيام دولة إسرائيل فوق أراضي عربية و اشتعال المفهوم القومي تحت قيادة الزعيم جمال عبد الناصر ، حتى انتشار مفهوم أن معاهدة كامب ديفيد هي معاهدة سبقت زمانها  بمراحل وأن أنور السادات كان صاحب نظرة بعيدة المدى ووصولا إلى سقوط عاصمة هارون الرشيد في بغداد تحت الاحتلال الأمريكي ، كلها عوامل ساعدت على تراجع العروبة كطريق أمام الأمة نحو المضي قدما إلى ما سارت عليه باقي الأمم .

كما أفهم أن أحد أهم  أسباب تراجع الفكر القومي  هو فقدان الديمقراطية التي وأن كان من الصعب تطبيقها في عصر الاستعمار والتحرر والثورات ، إلا أنها كانت ضرورة قصوى كمرحلة تالية و مهمة في وقت تنامي الوعي القومي ، كخيار وسبيل وحيد نحو تحقيق الشعوب استقرارها ومن ثمة وحدتها بأي شكل ، سواء كانت وحدة عضوية أو على مراحل ، وأيضا وفي ظل هذه العتمة القومية علينا أن لا ننسى أن هناك وحدات عربية قامت ومازالت حتى الآن ، ألا وهي الوحدة التي حدثت في الجزيرة العربية ، وبرغم أنها قامت على أسس مذهبية متطرفة ، إلا أنها لن تنسى أن تضع كلمة عربية قبل السعودية ، فتصير المملكة العربية السعودية ، وأيضا وحدة الأمارات العربية المتحدة ، وأخيرا الوحدة اليمنية والتي ورغم كل ما يشوبها من تشويه إلا أنها تبقى هي الأخرى أمل نحو إصلاح مسارها لتحقيق العدالة ودولة القانون بها .

وأيضا أفهم كثيرا بأن الخطاب القومي العروبي لم يفقد بريقه ابدأ ، برغم كل الهجمات الضارية التي مرت عليه عبر الخمسون السنة الماضية  ، فهو دائما يقف في صف الأمة ويناصر حقوقها ويؤمن بوحدتها وبحقها في التحرر  والتنمية   ، وهذا الخطاب وأن كان البعض يتهمه بالتخشب ، إلا أنه وفي حقيقة جوهره ومضمونه نابع من ضمير صادق يستقري التاريخ ويفهم دروسه ويرفض إعادته بنفس التنميط الكائن الآن ، كما أنه تجاوز أخطائه وأصبح مؤهلا لأن يستبق قلب الشارع العربي وينتزعه من الخطاب الديني المتشنج الذي يرى معاداة الآخرين هو ركن من أركانه ويصر على قولبة الماضي وتقديمه كسلعة جديدة قابلة لكل العصور والأزمان  .

الفكر القومي العربي الجديد الذي نسعى أليه ، هو فكر أكثر إنسانية ، وأكثر ديمقراطية ، وأكثر استيعابا لتجارب الماضي ، هو فكر شامل وغني وزاخر بكل مفردات الحياة العصرية و المدنية ، الذي يراعي حقوق الشعوب أولا وأخيرا في حق تقرير مصيرها ويسعى نحو تطبيق ذلك .

هناك فرق بين العربي العادي والإنسان  العروبي ، وهذا الفرق أتسع حاليا حتى أنه  أصبح من الصعب رتقه أو التقريب فيما بينه ، و  كون الإنسان عربيا ، فهذا أمر لا يعني إطلاقا ارتباطه بمحيطه وجدانيا وعاطفيا وبالتالي تكوين رابطة أسمى وأعلى من القبيلة وأرقى من  التمذهب والأديان .
فالعربي هو ذاك الإنسان الذي ولد من أبوين عربيين ويتحدث اللغة العربية كلغة تواصل بينه وبين الآخرين ، بينما العروبي هو الإنسان الذي رأى في العروبة سبيل نحو خلق جيل جديد أكثر تحررا وأكثر رغبة في الاستقلالية عن الآخرين من خلال صنع دولة قوية تعتمد على مواردها الذاتية في تأسيس مركز جديد يشارك العالم في حضارته الحالية ، بانيا كل ذلك على الإرث الثقافي والاجتماعي والسياسي واللغوي الكبير الذي تحتويه  ، و جاعلا منه رديفا متلازما نحو الحداثة   .

لذا قد نعٌرف القومية العربية كما ورد في المعجم العربي الأساسي ( ص 1016) هي صلة عاطفية تنشأ من الاشتراك في الوطن واللغة والتاريخ ، وهي دعوة للتضامن والتعاون بين أولئك الذين يشتركون في الوطن واللغة والتاريخ ، وهي تكريس لهوية مشتركة والاعتداد بها ، وتمييز لها عمن يحملون أو يعتدون بهويات أخرى مختلفة . ولفظة القومية مشتقة من ( قوم )  وهي الجماعة التي تنحدر من جد واحد حقيقي أو مجازي وبالتالي يعتبر أفرادها أنفسهم أقارب مثل الأخوة أو أبناء العمومة .

والقومية العربية هي الوحيدة التي تعتبر من أكثر  القوميات التي ظهرت في العالم  اعتدالا وتسامحا وتقربا من الآخر ، حيث أنها لم تذهب مذاهب الغلو في منهجها الرسمي أو ألتنظيري ، كما أنها لم تقم إطلاقا على العرق أو الدم ، بل نشأت على أساس اللغة والتاريخ ، وهذان العاملان هما من العوامل الإنسانية والتاريخية الراقية جدا والتي من خلالها أستطاع القوميون العرب أن ينحوا بذواتهم عن العنصرية ولم يقعوا بها مثل الآخرين ، كما أنها تجاوزت معضلة الدين في وقت مبكر على يد روادها الأوائل وعلمت بأن الدين والتمذهب هو عامل تفريق بين أبناء   الأمة  الواحدة ، ورأت أن تعدد الأديان والمذاهب في الأمة العربية به شيء من الإثراء الحضاري الكبير  بحيث لا يجب إقصاء دين أو مذهب  لصالح آخر .

وإذا كانت الوطنية هي مكان المولد والإقامة و  تشير إلى المكان ، ومن الطبيعي حب هذا المكان والدفاع عنه ،  فالقومية هي الساحة الأرحب لأمة وجماعة وتشير  بطبيعة الحال إلى الإنسان ،والعلاقة بين الوطنية والأمة ( القومية )  هي علاقة عضوية  لا يمكن فصلهما أو بترهما مهما كانت الأسباب والدواعي .

إذا لماذا لا يكون الوطني أو العربي  عروبيا وما هو الحائل دون ذلك ، وخاصة أن الدلائل التاريخية والصيرورة الطبيعية تحتم انتماء الإنسان إلى جماعة للحماية والرقي والتضامن ومن ثمة التوحد التام  ، أن السبب الحقيقي وراء ذلك _ حسب اعتقادي _  هو أن  كل قطر عربي صار  يحي من عاداته وتقاليده ولهجاته المحلية ويصر على إبرازها مقابل الفصحى والأدب العربي لتحل محلها المجلات    والقنوات الفضائية التي تروج للنبطي والمحكي ، حتى يتم الإيهام بوجود كيانات مستقلة تاريخية وثابتة والتشهير بالعروبة بمفهومها الحضاري والثقافي الراقي  ، مما ينتج عنه وتلقائيا أحساسا  يعتري الفرد بتميزه عن باقي العرب وبالتالي عدم الشعور الفعلي بالانتماء العروبي وتصير القبيلة هي منتهى الوعي والفهم  ، هذا  التحول التنازلي عن مبدأ راقي مثل الأمة وإحلال بدلا عنها مفهوم آخر أكثر ضيقا، هو أحد أسباب عدم وجود ذاك الشعور العروبي بين المواطنين العرب والذي به من المفترض أن يكون شعورا طبيعيا لا يتعارض أبدا  مع الشعور الوطني ، وهو ما أوصلنا إلى مستوى متدني جدا ، و    جعل ثرواتنا ومدننا ودولنا عرضة للاحتلال الدائم والمكرر  ، وخاصة أن الدولة القطرية أثبتت فشلها في أحداث أي تغيير فعلي على المستوى التنموي أو الثقافي أو السياسي  .

 أن هزيمة أي أمة يجب أن تبدأ من الداخل  أولا ، مبنية على التفريق و على خلق شعور بالوحدة وتربص من حوله به ، فيلجأ تلقائيا نحو القوي الأجنبي ليحتمي به على حساب جاره وشقيقه ، وهذا ما نراه ظاهرا للعيان في وقتنا الحالي ، كما أنه مر علينا في التاريخ مع ملوك الطوائف في المشرق والمغرب ، وهي عادة عربية توارثناها منذ ما قبل الإسلام ومازلنا .

فكل ما يحدث الآن ويجري لا يمكن له أن يتجاوز حقيقة أن العرب هم أمة واحدة وجدت قبل اليهودية والمسيحية والإسلام ، وان العرب لهم إثراءات سياسية وثقافية واجتماعية عندما كانوا جميعا تحت قيادة واحدة ، فالأمة اليونانية هي الأمة اليونانية في عهدها الوثني والفلسفي وفي عهدها المسيحي ، والأمة الروسية هي الأمة الروسية في عهدها المسيحي والقيصري والشيوعي ، كذا هي الأمة العربية تبقى أمة واحدة بمختلف العصور والأوقات ، ولا ينفي عنها إطلاقا مفهوم الأمة  قيام الدويلات العربية والتشدق بالوطنية والمحلية وإبرازها بهذا الشكل مقابل العروبة وكل ما تحتويه من وعاء حضاري ضخم  .

عليه أفهم جيدا هذا الانحسار المؤلم للفكر القومي ، فالقروية هي ثقافة العربي الحالية ، ومنذ ظهور أول كتاب عربي يحمل صراحة أسم  ( الأمة العربية للكاتب(  للعربي اللاجئ نجيب عازور عام 1905م وفيه دعا الكاتب العرب إلى الانفصال عن الدولة العثمانية ألتي مارست دور بارزا في القطيعة الثقافية التي مر رنا بها   ، وتتالي وتنامي الفكر  القومي وعبورا بالثورة العربية الكبرى وانتكاستها إلى معاهدة سايكس بيكو وقيام دولة إسرائيل فوق أراضي عربية و اشتعال المفهوم القومي تحت قيادة الزعيم