الرئيسية الأخبار عربي ودولي

قبل أن ينضب الوطن العربي من عظمائه

  • الوحدوي نت - يحيى سعيد السادة
  • منذ 16 سنة - Monday 07 January 2008
قبل أن ينضب الوطن العربي من عظمائه

كان الليل على وشك الانتصاف . عندما كانت الأنظار في مختلف أرجاء المعمورة شاخصة نحو القصر بانتظار مغادرة العماد لحود. لتبدأ بعدها مرحلة الفراغ الدستوري التي راهنت عليها بعض القوى الغربية والعربية على السواء وسهلت لها كسب الرهان بعض القوى الداخلية للأسف الشديد التي ارتهنت للمشروع الأمريكي ، ولقوى غربية أخرى . فرهنت بذلك شرفها ومصير بلدها وشعبها لمخططات صهيونية عجزت إسرائيل عن تنفيذها إبان حرب صيف 2006م عندما تمكنت المقاومة اللبنانية ومن خلفها كل القوى المناضلة والشريفة على التراب اللبناني من إلحاق الهزيمة بإسرائيل في سابقه عربية عجزت عن تحقيقها جيوش دول تمتلك كل إمكانيات المواجهة  ولكنها تفتقد إلى الإرادة والقرار السياسي الشجاع .
عند الساعة الثانية عشرة إلا ثوان من ليلة الجمعة 24 نوفمبر 2007م كسر العماد إميل جميل لحود رئيس الجمهورية اللبنانية عند هذه اللحظة حاجز الصمت ولحظات الترقب عندما اطل من عرينه متجهاً نحو سلم الجناح الخاص بسكنه في قصر " بعبدا " متحدثاً لمن حوله بهدوء واتزان وراحة بال وكأنه في اليوم الأول من انتخابه لسدة الرئاسة .إذ يختلط الأمر على المشاهد فيما إذا كان لحود في يومه الأول أم الأخير في هذا القصر ؟ مشهد فريد يندر تكراره خاصة في عالمنا الذي يطلق عليه تارة بالثالث ، وأغلب الأحيان بالمتخلف، إذ من المتعارف  في إطار عالمنا العربي بالذات. أن لا احد من الزعماء يبرح قصره إلا جثة هامدة سواء بموت طبيعي بعد أن يتقبل المولى سبحانه دعاء عباده المخلصين أو موت سريري بعد فقدان  الذاكرة فضلا عن الاغتيالات ، بينما في أحسن الأحوال  بانقلاب عائلي يطيح الابن بأبيه  بتوجيه خارجي خاصة إذا كان الأب غير مستوعب للغة الغرب .
مغادرة العماد لحود قصر الرئاسة قبل ثوان من انتهاء مدته الرئاسية لم تشكل صدمه لزعماء العرب من ملوك ، ورؤساء ، وأمراء فحسب. كون هذه الظاهرة غير مألوفة لديهم وغير مدونه في قواميس حكمهم ؛ بل أيضاً لزعماء غربيين يدعون ممارسة الديمقراطية . موهمين شعوبهم بترفعهم وزهدهم عن مغريات الحياة .
قد يتماثل بعض هؤلاء الغربيين مع العماد لحود في احترام كل منهم لنصوص الدستور من حيث التسليم بمغادرة القصور . إلا أنهم يختلفون معه في دقة التوقيت للمغادرة ! إذ يتلكأ البعض بحجة البحث عن سكن بديل كما هو شيراك بينما البعض الأخر إما يرجع سبب تأخر خروجه لعدم جاهزية حرمه المصون . أو البحث في دهاليز القصر والحديقة المحيطة به عن  كلبه الملهم ، والآدمي  إلى أقصى الحدود .
إنه التشبث بالمُلك أكان الموقع في الغرب أم في الشرق فالإنسان هو الإنسان .فلولا الدساتير التي تنظر إليها شعوب الغرب على إنها كتب مقدسه لا يمكن المساس بها أو محاولة تغيير ولو سطر منها . ولولا إدراك زعمائهم بالمصير الذي ينتظرهم وينتظر أحزابهم إذا ما أقدموا على اللعب بالأوتار السياسية المحظورة ؛ لكانوا أكثر همجيه وأكثر استهتار بشعوبهم من زعماء  العالم الثالث المتخلف حتى قيام الساعة . فعلى غير عادة نزلاء القصور الرئاسية . استقل العماد لحود سيارته مودعاً موظفي القصر الذين تجمعوا حوله متوجهاً إلى منزله المتواضع الذي احتضنه قبل توليه الرئاسة وظل في انتظاره لتسع سنوات ليقينه بعودته ذات يوم . لم يبحث عن سكن يتناسب ونمط عيشه في قصر الرئاسة كما هو حال الرئيس الفرنسي شيراك الذي كثرت حوله الأقاويل الدرامية في أنه لا يملك مسكناً يأوي إليه . الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول أكثر من ستة عقود من حياته سبقت ولوجه قصر الاليزيه فيما إذا كان يأوي إلى بيت كسائر المخلوقات أم على قارعة الطريق ؟ لقد انتهت فصول هذه الدراما بتفضل " آل الحريري " بتسكينه إحدى شققهم في باريس مكافئة له عن الدور الذي لعبه في محاصرة العماد في قصره عندما دشن مقاطعته فور استشهاد "رفيق الحريري" في أول سابقة دبلوماسية في التاريخ . لم يقتصر هذا السلوك الفج على بعض زعماء الغرب ، ووزراء  خارجيتهم بل تعداه إلى منع سفرائهم في  بيروت من مقابلة العماد ، الأمر الذي لا يمكن حدوثه في أي بلد في العالم يتمتع بالاستقلال والحرية والسيادة .
تسع سنوات عاشها الليث في قصر" بعبدا " مرفوع الهامة عالي الجبين . نظيف الكف . لا يحني هامته إلا لخالقه .لم يرعبه التهديد ولم يغريه الترغيب .
 في عهده  تحرر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000م , وفي عهده انتصرت المقاومة على إسرائيل في تموز 2006م .
تصدى للداخل ضد مافيا خصخصة القطاع العام . وتصدى للخارج في اقتطاع أجزاء من الجنوب فيما يسمى بالخط الأزرق غير آبه بتهديدات وزيرة الخارجية  الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت .
 ظل شامخاً كالطود مناصراً ومؤازراً  لخط المقاومة حتى اللحظة الأخيرة .
 نخشى أن يُطمر اسم هذا العملاق وسط  الأوراق المبعثرة في أرشيف التاريخ قبل أن يستنسخ  منه ولو عدداً يغطي حاجة لبنان ويضمن له البقاء موحداً ، وعصياً على المؤامرات التي تحاك ضده في أقبية الاستخبارات الغربية والصهيونية على السواء ، فصورة لبنان الجميلة والرائعة لم يكن لها أن تبدو على هذا النحو من الجمال والروعة لو لم تكن مكوناتها مجموعة الفسيفسا المترابطة ، والمتداخلة بل والمنسجمة مع بعضها ، وإلا لكانت مجرد حصوات في ما لو سهُل تفكيكها ، وبعثرتها . ففي ظل تماسك هذا النسيج الوطني وتجانسه ، رأينا لبنان بزعيمها ، ومقاومتها ، ومساحتها التي قد تتساوى  مع  مساحة محافظة الجوف تقف  في وجه المخططات الاستعمارية التي لا يستثنى بلداً عربياً مهما تطابقت سياساته مع السياسة الأمريكية .
  في حين نجد وطن تزيد مساحته عن  14 مليون كم2  وسكان
 يصل تعدادهم لأكثر من ثلاثمائة مليون نسمه وإمكانيات  اقتصادية هائلة تفتقر إليها الكثير من دول هذا الكوكب . لا يجرؤ بزعمائه وشعوبه على الأنين أو مجرد البوح ولو همساً أنه يتألم من سياط الكابوي الأمريكي ، هذه السياط التي أرغمت ستة عشر دولة عربية على الذهاب إلى مدينة انابوليس الأمريكية- Annapolce  ، والجلوس مع الجلاد الصهيوني وجهاً لوجه وكتفاً بكتف في الوقت الذي يتضور فيه أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني في غزة من الجوع  نتيجة الحصار المحكم عليهم ، وفي الوقت التي تعلن فيه إسرائيل نيتها في معاودة تدمير لبنان .
وفي الوقت التي ما زالت تحتل فيه الجولان ومزارع شبعا والضفة الغربية ، والأخطر من كل ذلك إعلانها فلسطين 48 دولة  يهودية صرفه يترتب عليه طرد أكثر من مليون فلسطيني من هذه الأرض لينظموا إلى فلسطيني الشتات. إيذاناً ببدأ  مرحلة جديدة من المعاناة والتشرد
تسع سنوات وأنا أتابع نشرات الأخبار اللبنانية . ما لفت نظري وشدني إلى تلك الأخبار ؟ أثاث مكتب الرئيس الذي يستقبل فيه كبار زواره . مجرد سجادتين ذات لون احمر ممزوج بألوان أخرى وضعتا في وسط حجرة المكتب وكرسيين احدهما لفخامة الأخ الرئيس بينما الأخر لزواره ،  ليس لهذين الكرسيين مساند جانبية إذ يعتمد الزائر أو الرئيس على لياقتهما البدنية ، وقدرتهما على التوازن ، يفصل بينهما ماسة هي أقل من عادية .
المشهد الوحيد الذي يتغير يومياً هي باقات الورد والزهر ، والتي لا تكلف الدولة ليرة واحدة ؛ كونها تجنى من حديقة القصر. تكلفة هذا الأثاث مقدور عليه من قبل موظف بدرجة كاتب
طيلة هذه الفترة الزمنية ، لم أجد زائراً واحداً كان مهتماً بمحتويات المكتب بقدر اهتمامه وانجذابه لشخص الرئيس والحديث الدائر بينهما.
لقد فات على هذه الأمة أن تستنسخ عظمائها الذين رحلوا ، وعزائها  في ذلك أن العلم لم يكن في حينه قد وصل إلى ما وصل إليه اليوم من تقدم.
لقد رحل عنا " جمال عبد الناصر " منذُ ثلاثة عقود  ، ففات علينا استنساخه ، بينما قُدر للعماد لحود ، أن يبقى في واجهة الصمود العربي والممانعة العربية ، فهل لنا أن نستنسخ منه ما أمكن لنا استنساخه قبل أن ينضب الوطن العربي من عظمائه ؟!!