التنظيم الناصري يحيي مئوية ميلاد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر - نص البيان

  • الوحدوي نت - صنعاء
  • منذ 6 سنوات - Monday 15 January 2018
التنظيم الناصري يحيي مئوية ميلاد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر - نص البيان

  الوحدوي نت

في الخامس عشر من يناير عام 1918، أي قبل قرن - بالتمام والكمال- من تأريخ الأمة العربية، استقبلت أسرة مصرية فقيرة مولودا لموظف بسيط في حي (باكوس) في الإسكندرية، هذا المولود كان هو جمال عبد الناصر الذي اختارته المشيئة الإلهية ليكون هو القائد للأمة التي كانت وكأنها على موعد معه إبتداء من ذلك اليوم الذي أبصر فيه ضوء الحياة قبل قرن من الزمان من يوم الناس هذا وإلى أن يشاء الله، حتى ينقذ الأمة من الانحدار الذريع الذي رسمه فساد أنظمتها الأسرية الرجعية، وهيمنة الاستعمار، وسيطرة الإقطاع، ورأس المال الطفيلي، فأنتج مجتمعا يسوده الفقر والجهل والمرض، تهيمن فيه الطبقات الاقطاعية والبرجوازية على أكثر من 95% من الثروة القومية. ولم تستول تلك الطبقات –فقط- على الثروات، وإنما صادرت –أيضا- لقمة عيش الفقراء المغموسة بعرقهم بل وبدمائهم، واعتبرتها ثمنا بخسا لتذكرة الانتخابات، التي صادرت بها إرادة الناخبين من العمال والفلاحين لضمان سيطرة الإقطاع والرأسمالية الطفيلية على الحكم.

لقد نشأ جمال عبد الناصر بين الطبقات الفقيرة التي تأصلت فيها المعاناة بسبب سلوكيات الطبقات المترفة، فأُوصدت أمامها كل منافذ الأمل بمستقبل أفضل، حتى بات الفقر إرثا بين أبناء طبقتي العمال والفلاحين وصغار الموظفين والجنود، وفي المقابل أضحى الغنى إرثا بين أبناء طبقتي الإقطاع والرأسمالية الطفيلية، وكبارضباط الجيش وموظفي الدولة، المرتبطة مصالحهم بمطامع الاستعمار، والشركات المتعددة الجنسية، حتى التعليم بكافة مراحله، كان حكرا على أبناء المترفين.

وفي ريعان شبابه؛ عاش القائد جمال عبد الناصر تجارب سياسية عديدة، وخاض مع الجماهير المظاهرات الشعبية التي كانت غالبا ما تتصادم مع جنود الاستعمار البريطاني وقوى الأمن. ولقد مكنته تلك التجارب من معايشة الأحزاب السياسية التي كانت في الظاهر تلهب حماس الجماهير ضد الاستعمار والنظام الملكي، بينما كانت في حقيقتها تعبِّر عن مصالح الفئات المترفة، المتعارضة مع مصالح الجماهير الفقيرة، فتعقد صفقات مع الاستعمار والنظام الملكي لحماية مصالح قياداتها. هذه التجارب رسخت في ذهن ذلك الشاب (الذي تعرض للاعتقال، ولرصاص الاستعمار وحرس النظام) قناعة بأن الأمل مفقود في أن تكون تلك النخب السياسية المترفة أداة للتغيير والتداول الديمقراطي للسلطة، ووسيلة لبناء مجتمع الكفاية والعدل.

ولقد أتاحت الظروف السياسية في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي لجمال عبد الناصر وعدد من أبناء الفلاحين وصغار الموظفين فرصة القبول في الكلية الحربية، ليتمكن ذلك الضابط المنحدر من قبيلة بني مر العربية في جنوب صعيد مصر من تشكيل نواة تنظيم الضباط الأحرار من أغلب أفراد دفعته والدفعات التالية لها، بعد أن خاض تجربة مريرة في حرب فلسطين عام 1948، لمس فيها تواطؤ الأنظمة الرجعية العربية مع الاحتلال الصهيوني، لاسيما من خلال صفقة الأسلحة الفاسدة. فاهتدى هو ورفاق السلاح عتدما كانوا محاصرين في الفلوجة، إلى أن معركة تحرير فلسطين يجب أن تبدأ بتطهير مصر والوطن العربي من رجس الأنظمة الرجعية العميلة. ومن هنا كانت البداية التي دشنها القائد المعلم جمال عبد الناصر بثورة 23 يوليو 1952 كحجر أساس لمشروع حضاري نهضوي، لا يخص مصر وحدها، وإنما يعم الوطن العربي من المحيط إلى الخليج. وكانت فلسطين العربية هي الأبرز في تفاصيل المشروع الحضاري العربي الناصري، إذ كان تحرير فلسطين الشغل الشاغل للقائد المعلم خلال حياته، حتى لحظة استشهاده، فلم يقبل في أن تكون فلسطين موضوع مساومة في أي وقت من الأوقات حتى بعد نكسة يونيو 1967، إذ بدأ في الإعداد لمعركة التحرير الشامل للأراضي العربية وعلى رأسها فلسطين منذ الوهلة الأولى للاعتراف بالهزيمة، وتحمل مسؤوليتها شخصيا، وواجه كل التحديات والعداوات العالمية والإقليمية، بسبب موقفه الصلب، في عدم التنازل عن فلسطين وضرورة عودتها كاملة لأهلها.

لقد كانت الثورة الناصرية منذ انطلاقتها الأولى - بحكمة قائدها ونضجه السياسي والاجتماعي- متميزة عن بقية الثورات المعاصرة لها، بأنها خاضت معركتين في آن واحد.. معركة التحرر من الاستعمار وأعوانه، ومعركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بكل جوانبها الإنتاجية والخدمية، والأهم فيها بناء الإنسان المسلح بالعلم والمهارات والثقافة الثورية التقدمية، الذي من خلاله تمكنت الثورة الناصرية من تحقيق أعلى معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي. وفي مقدمة ذلك تشييد السد العالي وتطوير الازهر الشريف وإنشاء مدينة البعوث الإسلامية التي استقبلت آلاف الطلاب والدعاة من مختلف بلدان العالم الإسلامي، وبناء قاعدة صناعية وزراعية قوية، بقيادة القطاع العام إلى جانب القطاع الخاص غير المستغل، لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية والعيش الكريم لكل فئات المجتمع. 

وعلى الرغم من شراسة المعارك التحررية والتنموية الداخلية على المستوى الوطني، فإن جمال عبد الناصر بدأ بتنفيذ أهداف ثورة يوليو على الصعيد القومي، بدءا بتحقيق أول تجربة وحدوية عربية بين إقليمي مصرو سوريا في 22 فبراير عام 1958، والتي تكالبت عليها قوى الاستعمار والرجعية، حتى أجهضتها في 28 سبتمبر عام 1961، فكان الرد سريعا على المؤامرة، باستمرار دعم ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، ودعم ثورتي اليمن 26 سبتمبر 1962 ضد النظام الرجعي في شمال اليمن، و14 أكتوبر 1963 ضد الاستعمار البريطاني في جنوبه. وليس هذا فحسب، وإنما تم تثوير الشارع العربي كله ضد الاستعمار؛ حتى طرده من كل الوطن الكبير لاسيما منطقة الخليج العربي ، ودعم حركات التحرر العالمية، في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

إن حصر الحديث عن دور مصر عبد الناصر في دعم الثورة اليمنية عسكريا -فقط- يعد ظلما للثورة الناصرية، وانتقاصا من دورها التأريخي العظيم. وفي هذا الصدد فإن من واجبنا كناصريين أن نوضح الحقيقة للأجيال التي لم تواكب المرحلة، وأن نرد على أعداء الثورة الناصرية، الذين يحلو لهم تحميل تبعات ما حدث لمصر بسبب ذلك الدور القومي، في نكسة يونيو 1967وما تلاها ، بالحقائق الآتية:

الحقيقة الأولى: إن الدعم الذي قدمته ثورة مصر الناصرية للثورة اليمنية، كان استجابة لطلب قيادة الثورة اليمنية، بعد أن تكالبت عليها قوى الرجعية العربية والاستعمار، بهدف وأدها حتى لا يمتد تأثيرها خارج حدودها، بما يتقاطع مع مصالح الاستعمار وأعوانه في المنطقة.

الحقيقة الثانية: إن الدور العسكري الذي بادرت إليه الثورة الناصرية في دعم الثورة اليمنية، فرضته موجبات الأخوة وعهد الثوار للثوار، علاوة على أنه تطبيقا لقيم الدين الإسلامي في نصرة الأخ لأخيه، وكذلك تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك للجامعة العربية.

الحقيقة الثالثة: لم يكن ذلك الدور يستهدف –فقط- دعم الثورة اليمنية، بقدر ما كان دفاعا عن حق الأمة في الحرية والاشتراكية وبناء الدولة القومية، وحفاظا على الأمن القوي العربي، في الوقت الذي كان فيه الاستعمار يتربص بمصر وبكل الأقاليم حديثة التحرر، لاسيما أنه كان آنذاك يمتلك أكبر قاعدة عسكرية في جنوب الجزيرة العربية، ويهيمن على أهم الممرات المائية واضعا الملاحة الدولية تحت رحمته. والتأريخ الحديث يبين لنا فائدة ذلك الدور القومي المشرف لمصر عبد الناصر، خلال حرب أكتوبر 1973، عندما بات مضيق باب المندب خارج نطاق السيطرة الاستعمارية. وبالتالي لم تذهب التضحيات الجليلة لمصرالثورة سدى، لاسيما إذا ما استحضرنا الجهود التي كان يبذلها القائد الناصري الخالد إبراهيم محمد الحمدي في إحياء مشروع أمن البحر الأحمر وتحويله إلى بحيرة عربية خالصة.

الحقيقة الرابعة: إن الدور المصري في اليمن لم يقتصر –فقط- على الجانب العسكري، وإنما الأهم من ذلك هو الدور الحضاري لمصر عبد الناصر التي دعمت اليمن بسخاء في كل المجالات الحياتية، تعليما وصحة وبناء وتشييدا وشقا للطرق وتعبيدها، وخلاصة ذلك الدور أنه أسهم بنقل اليمن من العصور الوسطى المظلمة، إلى العصر الحديث.

إن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وهو يشارك التنظيمات الناصرية الشقيقة، والتيار الناصري العريض، وكل القوى الحية في وأمتنا وفي الشعوب الصديقة في العالم احتفاءهم بمئوية مولد القائد الخالد جمال عبد الناصر، فإنه يذكر الغافلين والمتغافلين، إلى أنه منذ تآمرت قوى الاستعمار والرجعية العربية على المشروع الحضاري العربي الناصري، لاسيما بعد رحيل مؤسسه وقائده، تعرضت الأمة العربية للانكشاف أمام قوى العدوان في العديد من أقاليمها، وبدأت أجزاؤها تتآكل بفعل انبعاث عصبيات إثنية ونعرات مذهبية وطائفية، أعطت لقوى الاستعمار المتربصة بالأمة منذ عقود، مبررات ومداخل للعبور إلى عمقها لتنفيذ مخطط التفتيت حتى لكياناتها المجزأة أصلا لتمكين العدو الصهيوني من الهيمنة الكاملة ليس فقط على فلسطين، وإنما على الأمة العربية والمناطق المجاورة لها تحت مظلة الشرق الأوسط الجديد. ونؤكد هنا إلى أنه لولا غياب المشروع العربي النهضوي، لما تجرأت الإدارة الأمريكية على الإعلان عن نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، لكن ذلك حدث بعد أن ضمنت تواطؤ ومباركة غير مباشرة من قبل بعض مفردات النظام الرسمي العربي، وصمتا مخزيا من قبل البعض الآخر.

وعلى الرغم من أن مئوية مولد القائد المعلم قد جاءت في أجواء قاتمة تمر فيها الأمة العربية بأوضاع مأساوية على كافة الصعد، فإن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، يؤكد في هذه المناسبة العظيمة على أن الفكر الناصري المتضمن للقيم والمبادئ العربية الإسلامية الأصيلة التي ناضل القائد الخالد جمال عبد الناصر واستشهد من أجلها، ستستمر في إلهام القوى التقدمية العربية والعالمية إلى صراط النضال المستقيم، من أجل تحقيق الأهداف العربية القومية والإنسانية، والإنتصار للقضايا العربية والإنسانية العادلة، ورفع ظلم قوى الاستكبار عن الشعوب المستضعفة، التواقة لحياة كريمة يسودها العدل الاجتماعي والأمن والسلام.

إن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري ينتهز الفرصة في هذه المناسبة العظيمة ليتوجه بالدعوة إلى كافة القوى القومية التقدمية، لاستشعار مسؤوليتها التأريخية، بإحياء المشروع النهضوي العربي، متجاوزة رواسب الماضي، لأن التجارب التي تختزنها الذاكرة العربية تؤكد بأن الأمة العربية مستهدفة في هويتها القومية، من قبل الاستعمار والصهيونية العالمية، وأول المستهدفين في هذه الأمة هو التيار القومي التقدمي بكل مشاربه الفكرية وبلا استثناء، وبالتالي فإن مواجهة ذلك تبدأ بالتنسيق بين القوى القومية التقدمية، للعمل المشترك وصولا إلى إيجاد أداة فاعلة لضبط عملية إعادة بناء المشروع الحضاري العربي الضامن للأمة السؤدد والتطور والازدهار.

كما يكرر التنظيم مناشدته للقوى المتصارعة في كل جزء من أجزاء الوطن العربي بما في ذلك اليمن لإيقاف الحرب الخارجية والداخلة، حقنا للدماء، وتوفيرا لمقدرات الأمة من أجل التنمية وبناء الإنسان لمواجهة التحديات التي تهدد الوجود العربي برمته.

وبهذه المناسبة العظيمة، تتوجه قيادة التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري بأجمل التهاني والتبريكات لكافة كوادر التنظيم وأنصاره، وكل التنظيمات الناصرية الشقيقة في الوطن العربي، ولكل الجماهير العربية وكل محبي القائد المعلم في أرجاء العالم، سائلة من الله العلي القدير أن يحفظ الأمة العربية من كل المخاطر المحيطة بها من أعدائها، وأن يمنح قواها التقدمية القدرة والإستعداد لاستنهاض مشروعها العربي، لمواجهة المشروعات المعادية، كما تدعو الله أن يتغمد القائد الخالد جمال عبد الناصر وكافة شهداء الأمة العربية بواسع رحمته، ويسكنهم فسيح جنانه.

عاش نضال التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، على طريق الحرية والإشتراكية والوحدة.

الأمانة العامة للتنظيم - صنعاء في 15/1/2018