لقد مثَّل رحيل الفقيد الدكتور عبدالقدوس المضواحي خسارةً فادحةً للحركة الوطنية اليمنية والعمل السياسي بشكلٍ عام ولأحزاب اللقاء المشترك والتنظيم الناصري بشكلٍ خاص , وهي خسارةٌ لا عزاء فيها إلا ونحن نرى أنَّ الفقيد وإن كان قد رحل في لحظةٍ نحن أحوج ما نكون له ولأمثاله من رواد الحركة الوطنية والسياسيين المحنكين الذين قلّما تجدهم في الساحة , إلا أنَّه قد خلَّف من بعده جيلاً من الشباب الذين تحملوا رسالته التي ناضل من أجلها بمسؤوليةٍ عالية , وهي بلا شك رسالة الحرية والانعتاق من أنظمة الفساد والاستبداد ,, ورسالة الثورة العربية وصولاً إلى الوحدة العربية الشاملة من المحيط إلى الخليج .
ولقد كان لي شرف العمل معه في الحوار الوطني الذي أعقب الوحدة اليمنية مع العديد من أقطاب الحياة السياسية آنذاك , فوجدت الحوار نهجه وثقافته التي لا يحيد عنها ولا يميل , فكان هو التوافق حين تختلف الأقطاب , كان يجمع ولا يفرق , ويوحد ولا يمزق , وكان سره في نجاحه أنه يضع مصلحة الأوطان فوق ما عداها , ولهذا فقد كانت بصمته ولا تزال عصية على أن تمحى أو تطمس من كل صفحات الحوار بين اليمنيين حتى قبل أن تتم وحدة الشعب اليمني العظيم في العام 90م , فقد كان الفقيد الراحل من أوائل من قادوا حواراً وطنياً مع الجبهة الوطنية في جنوب اليمن آنذاك حين كان ــ هو نفسه ــ رئيساً لجبهة 13يونيو , ولم يكن ذلك إلا لأنه قد تخرج من مدرسةٍ عريقةٍ في النضال على المستويين الوطني والقومي .
إن ثقافة الحوار التي ظلت صفةً ملازمةً لفقيدنا الراحل وبالإضافة إلى حنكته السياسية التي لازمته طوال مسيرته النضالية والتي كان فيها متسلحاً بنبل الغاية وجمال الحق , كل هذه الصفات قد ساعدت في أن يكون الدكتور المضواحي هو رجل الحوار الأول دون أن يماري في ذلك أحد , ولذا فقد كان سبَّاقاً إلى جمع شمل المعارضة اليمنية منذ إعلان التعددية السياسية والتي جاءت رديفاً للوحدة المباركة , فتم تعيين الراحل عضواً في برلمان اليمن الموحد , وهو ما أهّله ليقود زمام المبادرة في تأسيس التكتل الوطني للمعارضة ومن بعده مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة وصولاً إلى صيغة اللقاء المشترك , ولم يكن ذلك لولا امتلاك الفقيد للفكر الذي جعله عند مستوى المسؤولية في تقريب وجهات النظر بين مختلف القوى الفكرية والسياسية , ووضع الأرضية المناسبة للحوار حول مختلف القضايا على أساس القواسم المشتركة بينها .
وإذا كان له حضوره الكبير على المستوى الوطني فإن نفس الحضور كان قد سجله على المستوى القومي , لأنه من الرجال الذين يؤمنون بوحدة الأمة العربية وبمشروعها النهضوي العربي الإسلامي الذي يناضل ضد قوى الامبريالية والاستعمار العالمي , ولمّا كان كذلك فلا غرابه أن يكون الفقيد الراحل واحداً من أولئك الرجال الذين ساهموا بفاعلية في تأسيس المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي وغيرها , وهي مؤتمرات كان للفقيد شرف مساهمته العظيمة بنقل تجاربها إلى الساحة اليمنية من خلال دوره في تأسيس اللقاء المشترك الذي يمثل تجربةً فريدة على الساحة العربية باعتباره تحالفاً سياسياً يناضل من أجل المشروع النهضوي العربي الإسلامي .
إننا اليوم نجتمع هنا لتأبين معلماً من معالم الفكر العربي الذين سطروا بمواقفهم الخالدة أنصع صفحات التاريخ باعتبار أن خسارة الرحيل قد تجاوزت حدود الوطن لتمتد من الماء إلى الماء , ولهذا لا غرابة أن نسمع صوت الدكتور المضواحي حاضراً في القاهرة وبيروت ودمشق تماماً كحضوره في صنعاء وتعز وعدن والحديدة , ولذلك فقد كانت أصداء الرحيل تدوي بكل العواصم التي شعرت بهذا المصاب أن الأمة قد فقدت واحداً من خيرة الرجال الذين جعلوا فلسطين هي قضيتهم الأولى في كفاحهم الطويل ضد قوى الهيمنة التي ما فتئت تتربص بالأمة وآمالها وتعمل جاهدةً على طمس أمجادها المشرقة , ذلك لأن هذا المَعلَم العروبي الشامخ قد كرّس حياته بالكامل لخدمة القضايا الوطنية والقومية .
لنا أن نؤكد أننا تعلمنا ثقافة الحوار من نهج الراحل المضواحي , لكننا بالمقابل تعلمنا كيف ننتصر لحقوقنا المسلوبة والمصادرة , وكيف نتعامل مع من نمد له الورد ويمد لنا الموت .
* كلمة ألقاها في حفل تأبين فقيد الوطن الدكتور عبدالقدوس المضواحي