الرئيسية الأخبار عربي ودولي

جمال عبدالناصر يكتب لمجلة فورين أفيرز عن: الثورة المصرية

  • الوحدوي نت - الشروق
  • منذ 8 سنوات - Saturday 25 July 2015
جمال عبدالناصر يكتب لمجلة فورين أفيرز عن: الثورة المصرية

فى ذكرى ثورة 23 يوليو أعادت مجلة فورين أفيرز الأمريكية نشر مقال مطول للرئيس الراحل جمال عبدالناصر تحت عنوان «الثورة المصرية». 

الوحدوي نت

كانت المجلة قد نشرت المقال لأول مرة فى عدد يناير 1955 حيث بدأ المقال بالإشارة إلى أنه لمدة قرن ونصف القرن كان العالم العربى يتبع سياسة سلبية. لقد عرف ما الذى يريد التخلص منه، لكنه لم يعرف أبدا ما يريد بناءه.

كان الغزو الغربى للشرق الأوسط ذهنيا بقدر لا يقل عن كونه ماديا. وفقدت العقول الشرقية المسحوقة وغير المستقرة كل القيم العقلانية تقريبا لكنها لم تستوعب القيم الغربية. وأحدث سوء التطبيق لأنماط الحكم الغربية خليطا مشوشا من الأنظمة والفلسفات السياسية فى المنطقة العربية. وكانت الديمقراطية مجرد غطاء للدكتاتورية. وأصبحت الدساتير التى صيغت لمصلحة الشعب فى الشرق الأوسط أدوات لاستغلالها والسيطرة عليها.

وقال عبدالناصر فى المقال الذى جاء فى نحو 5 آلاف كلمة إن قصة مصر فى تلك السنوات كانت مع السعى لتحرير البلاد من النير الأجنبى وإيجاد سياسة قادرة على القضاء على الشرور التى تراكمت بفعل الإقطاع وتضاعفت بفعل سوء استخدام السلطة الحكومية.

وأضاف أن بحث مصر عن مخرج لها من أزمتها كان بحثا طويلا ومؤلما. كان المصريون يأملون أن يكون لهم قادة يؤيدون قضيتهم ويدافعون عن مصالحهم، لكن الساسة والفرقاء أنفسهم كانوا فى الغالب خاضعين لقوى تخرب البلاد ــ الحكام البريطانيين والملوك الفاسدين والسادة الإقطاعيين والطبقة الحاكمة غير المصرية وأتباعها من المصريين.

ومنذ البداية استنزف البريطانيون قوة مصر وطاقاتها. وحلوا الجيش المصرى وخلقوا قوة رمزية بقيادة ضباط بريطانيين. وانتشر المستشارون البريطانيون فى كل مصلحة من المصالح الحكومية. وأصبحت وظيفة الآلة التعليمية إنتاج موظفين حكوميين. وأفقرت السياسة المالية البلاد.

وأشار المقال إلى أن نظام الحكم الأجنبى بُنى على الملكية الفاسدة والنظام الإقطاعى الذى وُضِع فى عهد محمد على الذى احتكر لنفسه الأراضى والموارد وعامل الفلاحين على أنهم عبيد وخلق طبقة إقطاعية تتكون من أسرته وشلته الأجنبية فى معظمها. وامتد هذا النظام الاحتكارى إلى التجارة والصناعة وأنفقت الأموال الناتجة عن ذلك ببذخ لخدمة أسرة محمد على وطموحها. وبذلك كان الانفصال بين الأسرة الحاكمة والجماهير المستعبدة. ورغم إنهاء احتكار الدولة المطلق للأراضى والتجارة فيما بعد مع السماح بالملكية الخاصة والمشروعات الحرة، فإن الضرائب الباهظة حرمت الفلاح المصرى من ثمار عمله.

 

مصطفى النحاس

وأوضح عبدالناصر أن المشكلات التى تواجه الأمة المصرية انقسمت إلى قسمين: الصراع بين الأمة وحكامها، من ناحية، والصراع بين الأمة والتدخل الأجنبى، من ناحية أخرى. وخاضت الأمة المصرية معركة من أجل الاستقرار الدستورى، إلى جانب معركة أخرى من أجل السيادة والحكم الذاتى. وشمل ذلك رفع المستويات الثقافية والاجتماعية. وكانت المشكلة هى استعادة الكرامة الإنسانية فى مصر.

وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أشار عبدالناصر إلى أنه فى الوقت الذى شعرت فيه البلدان العربية بالحماس لإنقاذ فلسطين، لم تكن الحكومة المصرية مستعدة الاستعداد الكافى لهذه المهمة. وجعل سوء الإدارة والفساد من جانب شلة الملك، بما فيها تجارة الأسلحة الفاسدة ــ التضحيات المريرة التى قدمها الجيش المصرى بلا طائل. وكشفت الحرب عن مدى الشرور التى سادت القصر والحكومة ودفعت الأمة إلى الاحتجاج. وعندما تكونت جماعات الفدائيين التى قامت بعملياتها فى منطقة القناة، وقع حريق القاهرة المدبر فى 26 يناير 1952 وشُلت حركة الفدائيين واتسعت الفجوة بين الحكومة والمحكومين.

 

كانت الثورة هى الطريقة الوحيد للخروج من ذلك وقد وقعت فى عام 1952 بقيادة الجيش وبتأييد من الأمة. فقد فهم الجيش وضعه وانضم إلى صفوف الشعب ليقود الحركة من أجل التحرر الوطنى. ووعيا باتجاه الأحداث التالية، أدركت الثورة أهدافها خلال فترة أقصر مما هو متوقع فخلعت الملك وألغت الملكية وأقامت الجمهورية المصرية.

 

الملك فاروق

وبما أن الثروة القومية كانت موزعة بشكل غير عادل، وضعت الثورة قانون الإصلاح الزراعى الذى حدد سقفا للملكية الزراعية وإيجارات الأراضى ونظم العلاقة بين المالك والمستأجر. وكان هم الثورة الرئيسى هو تحقيق سيادة الدولة فكان لابد من جلاء البريطانيين.

وعن سياسة النظام الجديد فى مصر الخاصة بإعادة بناء البلاد، قال عبدالناصر إنها قامت على أسس جديدة وهى التنمية المتكاملة ثلاثية الشُعَب. وكان مشروع السد العالى لزيادة الإنتاج الزراعى. كما أن توربينات السد ستولد 10 مليارات كيلو وات كهرباء كل عام.

بالإضافة إلى توليد الطاقة من السد العالى، أشار عبدالناصر إلى توسيع استغلال موارد مصر النفطية إلى أقصى حد. وأولى الخطوات هى مراجعة قانون التعدين الذى قيد عمل الشركات الأجنبية فى مصر فى الوقت الذى كانت فيه القدرات المحلية شديدة المحدودية. فأزيلت القيود وسُمح بتحويل الشركات أرباحها إلى الخارج. وذكر المقال مصنع الحديد والصلب الذى تبنيه فى حلوان شركة ديماج الألمانية بتكلفة قدرها 45 مليون مارك ويمثل دخول مصر مجال الصناعات الثقيلة، وسوف ينتج 240 ألف طن من الصلب كل عام. وهو يعتمد على خام الحديد فى أسوان الذى يقدر أن يمد صناعة الصلب المصرية بالخام لمدة 500 سنة. وذكر المقال صناعات أخرى كالورق والسماد والسكر وإطارات السيارات. ولتحسين الميزان التجارى كان لابد من الحد من الواردات غير الأساسية وتقييد الواردات من بلدان لم تعقد معها اتفاقيات تجارية.

 

حسن البنا

ولتعزيز رفاهية الجماهير، نفذت الحكومة برنامجا واسعا للخدمات الاجتماعية. وقد خُصص مبلغ 200 مليون دولار فى الميزانة لمشروعات الإصلاح الاجتماعى. وتُقام وحدات الرعاية الاجتماعية فى المناطق الريفية، حيث افتتح بالفعل 200 مركز فى عام 1954.

مرة أخرى يشير عبدالناصر إلى أهداف الثورة، وهى القضاء على استغلال الشعب، وتحقيق المطامح القومية وتنمية الوعى السياسى الناضج الذى يعد شرطا أساسيا للديمقراطية السليمة. كما تسعى الثورة إلى سد الفجوة التى بين الطبقات الاجتماعية وتعزيز روح الغيرية. وهو يقول إن الهدف النهائى هو أن يوفر لمصر حكومة ديمقراطية ونيابية بحق، وليس نوعا من الدكتاتورية البرلمانية التى فرضتها طبقة «الباشوات» الفاسدة على الشعب. ولتحقيق تلك الأهداف لابد من رفع مستوى الجماهير وتوسيع التعليم والوعى الاجتماعى فى أنحاء البلاد كى يفهم الشعب واجبات المواطنة وميزاتها. ولابد من توفير دستور يحمى مصالح كل الجماعات. وأشار المقال إلى أنه خلال العام السابق لكتابته كانت لجنة تتكون من قادة ميادين الحياة المختلفة فى مصر وممثلين للديانات المختلفة ــ المسيحية واليهودية والإسلام ــ تضع مسودة الدستور الجديد.

وأشار المقال إلى أن أكبر أعداء الشعب الداخليين هو الشيوعيون الذين يخدمون الحكام الأجانب، والإخوان المسلمون الذى لا يزالون يسعون إلى الحكم بالاغتيال فى فترة تجاوزت تلك الممارسات، وساسة العهد البائد الذين يودون إعادة ترسيخ الاستغلال. وأضاف أن الجماعات الدينية الرجعية كالإخوان المسلمين ليسوا سياسيين بحق ولا متدينين بحق. وهدفهم النهائى هو السلطة، ولكى يحققوا ذلك يتبنون أساليب منافية لروح الإسلام وروح العصر. وتفاخر عبدالناصر بكون الثورة بيضاء لم ترق فيها دماء. وقال إنهم اضطروا لفرض القيود لمنع أعداء الشعب من استغلال الناس وتسميم عقولهم. وكان لابد من ممارستهم لسلطتهم لتمهيد الطريق لحياة أفضل لرجال البلد ونسائها. وأوضح أنهم يريدون رفع تلك القيود بمجرد أن يشعروا بأن الشعب لم يعد معرضا لخطر تلك الجماعات.


جمال عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل

وأنهى عبدالناصر المقال بالحديث عن علاقات مصر الخارجية. وأشار إلى وجود اختلافات اجتماعية واقتصادية بين الدول العربية، غير أن الأمور المشتركة بينها أكثر مما بين دول اتحاد غرب أوروبا. وتعتقد دول الجامعة العربية أنها يمكن أن توحد قوتها التى تسهم فى قضية السلام العالمى. وأوضح أن مصر بذلت كل ما يمكنها لتعزيز اتفاقية الأمن الجماعى لجامعة الدول العربية. وقال إنها أفضل نظام ممكن للدفاع عن الجزء الخاص بنا من العالم ضد أى عدوان محتمل.