اليمن ديمقراطية بدون ديمقراطيين

  • دكتور عبدالله احمد عبدالصمد
  • منذ 18 سنة - Wednesday 08 March 2006
اليمن ديمقراطية بدون ديمقراطيين

حققت موجة المناداة بالديمقراطية في السنوات الأخيرة من القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين نجاحا متميزا. والسبب وراء هذا النجاح حسبما يراه المعنيون هو أن النفس البشرية ميالة بطبيعتها لنيل الحرية اكثر من استعدادها للرضوخ تحت وطأة الاضطهاد والاستعباد والقمع. إلا إن هذه الرؤيا لا تعني أن الأنظمة السياسية التي تدّعي الديمقراطية تسعى لتحقيق الديمقراطية وفق ما تبغيه النفس البشرية. فمفهوم الديمقراطية له جذور و أسس متينة راسخة في الذات البشرية، إلا أن تطبيقها صعب ومحفوف بالمخاطر.
لا يعد المجتمع الديمقراطي ميدانا للتنافس بين قيادات تسعى لتحقيق أهداف شخصية. فالأنظمة الديمقراطية تترعرع وتزدهر عندما يرعاها أولئك الذين يبذلون الغالي والنفيس من اجل تطبيقها في حياتهم اليومية – يضيفون أصواتهم إلى أصوات الناس من حولهم، وينتخبون ممثليهم الذين سيؤدون الأعمال اليومية بالنيابة عنهم، ويوافقون على ضرورة الحاجة إلى التسامح وتحمل الصعاب، ويرضون بإيجاد الحلول للمسائل المستعصية وغير المستعصية عن طريق التفاهم   بين أفراد المجتمع.
أصبحت الديمقراطية من الكلمات المألوفة لدى الناس قاطبة، إلا أنها كفكرة ، ما زالت مبهمة أسيء فهمها و استخدامها في وقت حاولت فيه الأنظمة الاستبدادية والدكتاتوريات العسكرية استثمار التأييد الشعبي من خلال شعارات زائفة تشير فقط إلى الديمقراطية. ومع ذلك فان فكرة الديمقراطية أبرزت عبارات شديدة التأثير على النفس البشرية وحفزت رغبة الإنسان وفطنته لنيل الحرية والتخلص من الاستبداد، ويمكن لنا أن نرى ذلك في كتب التاريخ القديم والحديث.
ورد معنى الديمقراطية في المعاجم بأنه ( حكم الشعب الذي يتسلم مقاليد السلطة العليا وهو الذي يدير دفة الحكم ومن ينوب عنه تحت ظل نظام انتخابي حر). وقد عبر أبرا هام لنكلن، أحد الرؤساء الأمريكان، بان (الديمقراطية هي سيطرة الشعب، لتحكم الشعب، من اجل الشعب).

اليمن لم يجرب الديمقراطية من قبل ولم يتعرف عليها الا نظرياً ..  لتعلن السلطة بان الديمقراطية في اليمن  قد حققت  نجاحا باهرا !
ولتفسير هذا  السلوك انما هو للاستهلاك الخارجي بدرجة اولى ورئيسية واستجابة لمتطلبات السياسة الخارجية الامريكية للمنطقة والشرق الاوسط بشكل عام
و يعزو العديد من المراقبين بانها تعود لتعاظم نزعة الحرب التي اجتاحت الولايات المتحدة الامريكية بعد هجمات الحادي عشر من سيبتمبر. وتعاظم هذه النزعة،  لا يمكن فهمها بمعزل عن حيثيات التفكيير الاستراتيجي لمرحلة ما بعد الحرب الباردة.
فكان الانتصار المدوي للكتلة الغربية الذي اعقب انهيار الشيوعية،  وتحول التوازن الاستراتيجي، لصالح الولايات المتحدة، عاملا من العوامل الرئيسية في تعاظم مفهوم القوة الامريكية، التي اصبحت الى حد كبير القوة العظمى الوحيدة في العالم . وتبوات مكانة مهيمنة لم تتبواها اي دولة اخرى في العصر الحديث. فاصبحت نزعة التوسع في السياسة الخارجية واقتحام الساحة الدولية في كل مكان نابعة من الثقة العالية بالنفس.
فظهرت كتابات كمقالة فوكوياما،  تعبر عن فكرة (نهاية التاريخ)، والتبشير بانتصار الليبرالية،  كنهاية لصراع الاديولوجيات في العالم.. وما على الشعوب لكي تكون من (الفرقة الناجية)  الا اعتناق صيغة الديمقراطية الغربية التي اصبحت ذات هيبة ومجد. ونتيجة لعولمة الديمقراطية عنوة دون توفر الشروط اللازمة لتطبيقها، ظهر التناقض بين التنبؤات النظرية بفردوس الديمقراطية وبين نتائج التطبيق التي نجم عنها نتائج ماساوية في أماكن عديدة من العالم
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون الامريكية دانيال برومبرغ،  ان عولمة الديمقراطية شجعت المجموعات الاثنية او الدينية او القومية على لبس عباءة الديمقراطية. فبسبب المزج بين الديمقراطية وبين الهويات الاثنية والطائفية، ظهرت احزاب  قومية وطائفية،  تدعي لتفسها الديمقراطية، بينما تتبنى برامج عمل طائفية، وتعارض اعطاء الحقوق للاحزاب الاخرى التي تختلف معها  في الانتماء القومي او الديني او الطائفي.
المرحلة تتطلب وعيا سياسيا و حاجة الى ثقافة ديمقراطية ، و نشره في كل المنابر وفي وسائل الاعلام المختلفة و في الثقافة الحزبية ، لأن الأختلاف في الرأي او النظرة المغايرة لا يفسد للود قضية ، و الاعتراف بالآخر علامة صحية و الأجتهاد في الرأي ليس معناه التطابق الكلي في النظر الى الامور و القضايا ، كل ذلك يجعلنا في حاجة الى الأفراد المستنيرين و الى العقول المثقفة و النزيه ، ومن هنا يجب اعادة النظر في بنية المفاهيم الخاطئة في المجتمع و اطرها التقليدية السابقة في العمل السياسي و الحزبي ، و اعتبار العمل السياسي واجبا و تكليفا و نكران ذات ، وليس مبعث التعالي و التفاخر ، كي لا يصبح العمل السياسي عمل من لا عمل له ، و للسياسة رجالها و اداؤهم تمس حاجات الجماهير و وجودها ، مع اخذ بنظر الاعتبار من ان التحالفات و العمل الحزبي و الثقافة الديمقراطية ، ليست هياكل جاهزة ننقلها متى ما شئنا ، بل هي ايمان مشترك بالمبادئ المنبثقة لصالح مصالح الشعوب ، تدفع السياسي الى العطاء وفق رؤية واضحة لشروط النجاح في الحياة ، و السياسة الصحيحة لا تكون بعيدة عن المنطلقات القومية و الانسانية ، لذا تعتبر التحالفات هي تجاوز للعمل المجزأ سواء جاءت على اسس مشروطة معينة ، او جاءت عن طريق التوافقات ، عند ذاك لا تكون للحزبية الضيقة حيز للتنفس ، و من ثم تتحول دعاية الأحادية الجانب الى بروبجندا غير مرغوبة لدى الجماهير ، و التوافقات السليمة تجعل من الخصوصية الحزبية ، رحبة الآفاق ذات آلية متحركة الىالأمام و نحو الأفضل ، و تكون مردودها هي نتائج ايجابية لتلك الأحزاب و لصالح جماهير الشعب .
الديمقراطية السياسية ليست هياكل جاهزة ، وليست هي بكساء نرتديه متى ما رغبنا ، لأن هناك أزمة للديمقراطية نشأ القصور الديمقراطي منذ قرون نتيجة تراكمات ، من تخلف و استبداد و قسوة الحكام و عدم وضوح الرؤية الديمقراطية الحقيقية لدى القوى السياسية ، ، و تجربتنا الديمقراطية وليدة و حديثة العهد ، لذا يتصور البعض منا بان الديمقراطية هي بكثرة الأحزاب ، في حين هي بتعدد المنابر و تنوع الأفكار في اجواء الحريات المسؤولة ، اذا كان حقوق الانسان جوهر كرامة الانسان ، فالديمقراطية تعتبر جوهرة حياته ، من الضروري جعل الديمقراطية من مفردات التعامل اليومي فيما بيننا في جميع مجالات الحياة ، و بها نجد الحلول المتوازنة و المطلوبة لعلاج مشاكلنا ، و تؤدي الحلول السليمة الى استقرار الفرد و المجتمع نفسيا و اجتماعيا و اقتصاديا ، و لن تأتي الديمقراطية الحقيقية الا بالحوار الديمقراطي بين مكونات المجتمعات ، و هي مسؤولية من يملكون القدرة على العطاء و انفتاحا اكثر قدرة على استيعاب الآخرين .
يجب ان نقر بأن هناك هوة كبيرة تفصلنا عن العام المتقدم في مجال الديمقراطية ، او في مجالات الحياة المختلفة ، من الضروري العمل على ردم هذه الهوة ، مع الأنتباه بأننا من بيئة لها تراثها و واقعها و اخلاقها و فيها علاقات اجتماعية و سياسية و اقنصادية على نمط موروث معين ، تحكمت في نشأتها عوامل عديدة و متنوعة ، و لغرض تضييق الهوة يتطلب مشاركة جماهير الشعب ، و تفجير طاقاتها وامكانياتها و تسخيرها في هذا الأتجاه ، لكي لا تصدم مع الواقع الجديد و الصمود امام المستجدات و التفاعل مع الأحداث ، لأن لها قدرة متميزة في تحمل الأعباء ،
والديمقراطية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، بعيدا عن المحسوبية و المنسوبية وابعاد  الانتهازيين و الوصوليين من مواقع القرار ، و لتفعيل العدالة الاجتماعية يكون من الضروري عدم فسح المجال للاحزاب ، بتدخلات يومية او تفصيلية في شؤون الوزارات و المؤسسات و الدوائر .
ومع ذلك كان هناك اعتقاد في أن للنخبة مصلحة في استكمال التطور الديمقراطي‏,‏ وأن هذا يدفعها الي الالتزام بقيم الحرية وآليات الديمقراطية حتي بعد أن قصرت في دور أساسي كان مفترضا أن تقوم به وهو نشر الثقافة الديمقراطية في المجتمع‏.‏
غير أن التجربة خيبت هذا الأمل وأظهرت أن أغلبية النخبة التي تطالب باستكمال التطور الديمقراطي والوصول به الي نهايته تفتقد الحد الأدني من القيم اللازمة لتحقيق هذا الهدف‏.‏
المشكلة هي أن الأحزاب التي تطالب بإصلاح سياسي تحتاج هي الي اصلاح أوضاعها الداخلية‏,‏ علي الأقل كي يصدق الناس ما تطرحه عليهم‏.‏
فالإصلاح الحزبي الداخلي ضروري للاصلاح السياسي والدستوري‏.‏ فالأحزاب تعاني اختلالات ناجمة عن ضعف الديمقراطية في داخلها بدرجات متفاوتة‏‏.‏ ولكن بشكل عام ثبت تجريبيا أن غياب القادة التاريخيين مؤسسي أحزاب المعارضة الأساسية يعرض هذه الأحزاب للخطر بسبب ضعف أو غياب الممارسة الديمقراطية في داخلها‏.‏ وعندئذ تفقد المناداة بالاصلاح السياسي والدستوري جدواها في الوقت الذي يستقيل من الأحزاب كل يوم أعضاء وأنصار يهربون من أوضاع لا ديمقراطية يصعب عليهم تحملها ويكفون غالبا عن ممارسة العمل السياسي‏.‏ فإذا كنا نريد إصلاحا سياسيا لتوسيع قاعدة المشاركة‏,‏ فكيف يستقيم ذلك مع ما يحدث في بعض الأحزاب من تضييق لهذه القاعدة ؟‏!‏
ونوشك أن «نقضي» على الفساد دون أن نلقي القبض على واحد من أولئك الفاسدين، وننشئ وزارات للثقافة وللتنمية السياسية ونعد المناهج للتربية الوطنية لكننا في المحصلة: محلك سر، وهكذا حتى نصل إلى وصلة الغناء الوطني الطويلة عن التجربة الديمقراطية دون أن نتمكن من إيراد اسم واحد من أولئك الذين ينطبق عليهم التوصيف الديمقراطي.
ترى أين هي المشكلة، أفي جينات الناس أم في النخبة واليات إنتاجها، هل في خيارات الناس باختيار ممثليهم أم في آليات الاختيار ذاتها؟
هل يمكن القول أن البرلمان والحكومة وسائر أعضاء نادي النخبة القيادية على مختلف مستوياتها أصبحت في سلة واحدة من وجهة النظر الشعبية؟
في الحقيقة لم يعد معقولا أن نذهب إلى الانتخابات المقبلة وفق الآلية التي قادتنا إلى الانتخابات السابقة، كما لم يعد معقولا أن نبقى «نتحزر» أسماء الفريق الوزاري قبيل التشكيل فتخرج إلينا أسماء لا تعرفنا ولا نعرفها.

إن لعبة تبادل للمواقع والمواقف تجري الآن مما ينبئ أن لا معايير عامة ديمقراطية تحكم قواعد اللعبة السياسية فهل يمكن أن نقول بأن تلك القواعد لم تعد مقبولة ولا مستساغة.

حقيقة لا ديمقراطية بلا ديمقراطيين ولا مكان لديمقراطيين بدون قوانين ديمقراطية في الأحزاب والانتخاب والاجتماع وحرية الحصول على المعلومات.


وللأسف فان خطوات الحل تبدو في الكثير من المرات متعثرة وقد تعصف بها احداث عرضية. وهذا يعود الى المعالجات المنقوصة التي لم تدخل الى جذور الازمة. فرغم اتفاق جميع القوى ومعظم الناس على الحاجة لاعادة ترتيب البيت اليمني وتوحيد الجهود على الاهداف الوطنية المشتركة، الا ان الخطوات العملية لتحقيق ذلك الهدف تتم باسلوب عشوائي وتجريبي بطيء
الديمقراطية ليست تقليعة للاستهلاك الخارجي او وصفة سحرية معزولة عن حياة البشر. الديمقراطية منظومة من القيم التي تشكل في مجموعها ثقافة متكاملة من الاعتدال والتسامح والانفتاح والتكيف واحترام الآراء الاخرى والتعاون والمشاركة والمساومة وإيجاد التسويات في العلاقة بين الأنا والآخر داخل المجتمع. وتبني هذه الثقافة يعني التسليم بانه لا يوجد من يحتكر الحقيقة، ومن يقدم اجابة صحيحة وشافية على الاسئلة التي يطرحها الناس. ويعني تجاوز الاطروحات الصارمة، كالتطرف والاقصاء والشخصنة والخضوع الاعمى والرفض العدائي والسلبية والتشاؤم والخوف من المستقبل وعدم الثقة. والسؤال هل نملك ثقافة ديمقراطية؟ السلوك اليومي والممارسة العملية تشير الى توغل البعض في ثقافة غير ديمقراطية، من خلال طرح نظام اجتماعي شمولي بديل او نقيض للنظام القائم قيد التشكل، نظام لا يقبل ولا يعترف بالتعددية السياسية والثقافية ويرفض الانفتاح الثقافي وكل الافكار وانماط السلوك

ويرتبط التغيير الديمقراطي ايضا بنمو الطبقة الوسطى وبانتشار التعليم العالي والانفتاح على التجارب الديمقراطية في العالم. كما ان التقدم الاقتصادي يحدث نزوعاً نحو الديمقراطية والتعددية، وخاصة انه يرتبط بتغيرات اجتماعية مترافقة مع دخول اجيال جديدة وفئات ذات اهتمامات مختلفة تتطلب استيعاباً ملائماً في بنية المجتمع

الحكم الديمقراطي نظام يقوم المواطنون على أثـره باتخاذ القرارات السياسية بحرية تامة وفق مبدأ الأغلبية. لكن ليس من الضروري أن يكون مبدأ الأغلبية ديمقراطيــــا على الدوام: إذ ليس هناك من يقول أن النظام الذي يسمح لنسبة 51% أن تفوز على نسبة 49% باسم الأغلبية نظام عادل ومنصف. ففي المجتمع الديمقراطي يجب أن يقترن مبدأ الأغلبية بضمانات حقوق الفرد التي بدورها تحمي حقوق الأقلية- إن كانت تلك الأقلية عرقية، ، أو سياسية، أو تلك الأقلية التي لم تحقق فوزا في معارضتها لتشريع مثير للجدل. إن حقوق الأقلية لا تعتمد على النوايا الحسنة للأغلبية، ولا يمكن إهمالها أو تجاهلها بسبب تصويت الأغلبية. وتبقى حقوق الأقلية محفوظة ومصانة لان القوانين والمؤسسات الديمقراطية تحمي حقوق جميع المواطنين.

الديمقراطية أمر يتجاوز مجموعة القوانين والمبادئ والإجراءات الدستورية التي تحدد وتعين عمل الحكومة. الحكومة في النظام الديمقراطي مجرد عنصر واحد يتداخل ضمن بنية وهيكل اجتماعي متعدد المؤسسات، والأحزاب السياسية، والمنظمات والنقابات. هذا النوع يدعى بالتعددية، ويفترض أن لا تعتمد تلك البنية الاجتماعية في المجتمع الديمقراطي على الحكومة من اجل وجودها وشرعيتها وسلطتها.

خلق الله سبحانه وتعالى البشر متساوين، ومنح كل إنسان حقه وفق دستور هذا الكون وهذه الخليقة. والحقوق التي منحها الله عز وجل للبشر هي حق الحياة، والحرية، والعيش بكرامة وسعادة. وفق دستور الكون، تعد هذه الحقوق مكتسبة لا يجب أن تسلب من هذا الإنسان الذي أمر الله الملائكة أن يسجدوا له في انه لا سجود إلا لله وحده.

لكي يضمن هذا الإنسان الضعيف حقوقه، على الرغم من قوته، ابتكر وسيلة لحماية حقوقه أسماها نظام الحكم. وقد استنبط هذا النظام سلطته العادلة من قناعته بشرعية ودستورية تلك الحقوق الكونية من جانب، وبوجوب منح الناس إياها لاستحقاقهم لها دون أدنى نقاش.

جاء في وثيقة الاستقلال الأميركية التي أعلنها توماس جيفرسون، الرئيس الأميركي التي تتحدث عن المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها الحكومة الديمقراطية ان الحريات ليست منحة او هبة من الحكومة الديمقراطية، بل من
إن الديمقراطية عملية تبادل آراء وأفكار بين بني الإنسان: فهم يتحدثون عن مشاكلهم فيما بينهم، ويتوصلون إلى صياغة مستقبلهم وقدرهم. لكن قبل أن يتمكن الناس من حكم أنفسهم، يجب أن يكونوا أحرارا بالتعبير عن ذاتهم."

يعيش الناس في المجتمع الديمقراطي وهم على قناعة تامة أن الحقيقة تظهر عبر الفضاء المفتوح لتبادل الآراء والأفكار لتكشف الزيف المتأصل بالمجتمع؛ ومن جانب آخر يستطيع أولئك الناس تفهم القيم الأخلاقية والحضارية وتبادلها مع الآخرين. وبذلك يستطيعون تحديد المجالات التي يمكن أن تكون منابع للخلاف وبالتالي يحققون المصالحة فيما بينها. وهكذا ينفتح باب الأمل للتقدم على طريق النجاح لتحقيق مستقبل افضل.
تعتمد الحكومة الديمقراطية على المثقفين والمتعلمين من المواطنين الذين يكون نشاطهم عبر وسائل الإعلام بكل أنواعها ذو تأثير كبير لا حدود له في مرحلة بناء المجتمع. وفي الوقت الذي يخلف فيه الجهل اللامبالاة وعدم الاستقرار وضياع الحقوق، وبالتالي سيطرة المستبد، فان الديمقراطية تنمي طاقات المواطنين وتساندهم وتؤازرهم بتيارات متدفقة من البيانات والأفكار والآراء، وبالتالي المستقبل المرسوم بوضوح والمزدهر.
تستند الديمقراطية على مبدأ أساسي وهو أن الحكومة وجدت لخدمة الشعب، وان الشعب لم يخلق لخدمة الحكومة. وهذا يعني أن الناس مواطنو الدولة الديمقراطية ورعاياها، وهم أسباب وجودها. وفي الوقت الذي تصون فيه الحكومة حقوق مواطنيها وتحميها، فبالمقابل يظهر المواطنون ولائهم لحكومتهم. أما في النظام الدكتاتوري فان الدولة كيان منفصل عن المجتمع، وهي التي تطلب الولاء من الشعب وتجعله خادما لها بدون أي التزام قد يرضي قناعة المواطن بما تعمله تلك الحكومة.

عندما يصوت المواطنون في بلد ديمقراطي فانهم يمارسون حقهم ومسؤولياتهم لتحديد من سيحكم باسمهم. وعلى العكس من ذلك، في البلد الدكتاتوري يخدم التصويت غرضا واحدا وهو إضفاء الشرعية على اختيار نظام قد نصب نفسه سلفاً. فالتصويت في مثل هذه البلدان لا يتضمن الحقوق ولا المسؤوليات التي يمارسها المواطن، إنما لإظهار الطاعة العمياء لتأييد الحكومة.
يتمتع المواطنون في ظل الدولة الديمقراطية بحق اختيار الانضمام إلى المنظمات التي لا علاقة لها بالحكومة، ويشاركون بملء إرادتهم في الحياة العامة في المجتمع الديمقراطي الذي يعيشون فيه. في هذا الوقت يتطلب من المواطنين القبول بالمسؤوليات التي تترتب على هذه المشاركة ومنها: تعليم أنفسهم وتثقيفها بشتى مسائل الحياة، وإظهار القدرة على تحمل الصعاب التي تواجههم من الآراء المعارضة لهم، وإبداء روح التسامح عند الضرورة من اجل التوصل إلى تسوية تفيد الجميع.
أخيرا لم يعد في مقدور الناس الاستماع لمزيد من الإنشاء الجميل، فالوطن الأنموذج لا يبنى بالأمنيات

________________
العلاقات الدولية والسياسة
روسيا