التوازن السياسي المنشود في اليمن

  • الدكتور/ مشعل الريفي *
  • منذ 17 سنة - Friday 01 September 2006
التوازن السياسي المنشود في اليمن

تبدو المنطقة العربية في الحقبة الراهنة (باستثناء لبنان) المنطقة الابعد في العالم عن الممارسة الديمقراطية على مختلف المستويات بالرغم من انها المنطقة الاكثر ثراء من حيث الموروث الحضاري والثقافي.
اليمن احد بلدان هذه المنطقة ، البلد الفقير في جنوب جزيرة العرب يحاول اليوم تخطي ذلك الواقع وبطريقة ملفتة للانتباه، فهو اليوم يشهد منافسة انتخابية قوية على منصب رئاسة الدولة، منافسة من نوع جديد لم تشهدها المنطقة على الاطلاق. فالمعارضة اليمنية ممثلة باحزاب اللقاء المشترك قد بذلت جهدا كبيرا ونوعيا خلال الاعوام القليلة الماضية نجحت من خلاله في تخطي الدور الذي اراده لها الحزب الحاكم في اليمن والمتمثل في جعل وجودها على الساحة السياسية مجرد شاهد زور على وجود الديمقراطية في البلاد. حيث تمكنت المعارضة وعبر تحالف احزابها من تجاوز ذلك الدور الهزيل ونجحت في فرض واقع جديد يحمل العديد من ملامح التوازن السياسي المفقود في حياة اليمنيين منذ زمن طويل.
وحتى الآن كانت الحكمة هي العلامة البارزة لقرارات المعارضة اليمنية وهي تتحرك في هامش ضيق متاح لها مليء بالمتاعب والمضايقات والضغوط والمخاطر الجدية.
ولأول مرة يجد رئيس الجمهورية الحالي نفسه أمام منافسة انتخابية حقيقية على المنصب الذي يشغله منذ امد طويل ، ولأول مرة يضع جديا في حسبانه احتمال الخسارة ، والأكيد ان الرئيس المصري حسني مبارك لم يواجه في انتخابات الرئاسة الماضية نفس الصعوبة التي يواجهها حاليا الرئيس اليمني في المحافظة على كرسيه بعد ان فوت فرصة تاريخية عند تراجعه عن قراره بعدم الترشح. فلقد كانت بحق وبدون مزايدة فرصة تاريخية تخلى عنها مع انه برر ذلك بحرصه على وحدة اليمن وانجازاته اضافة الى النزول عند رغبة جماهير الشعب.
المعارضة اليوم قيادات وكوادر وانصار امام تحديات كبيرة وعديدة ايا كان السيناريو المحتمل الذي سيتحقق كنتيجة للاستحقاق الانتخابي الحالي. تحديات الفوز وتحديات الخسارة وقبلها تحديات المعركة الانتخابية الراهنة.
فخسارة المعارضة – مع التحفظ على مصطلح خسارة – سيكون هو التحدي الحقيقي والاختبار الحقيقي للانتماء الوطني لقياداتها وكوادرها واختبار كذلك لمدى وعيها بالواقع السياسي والاجتماعي وما يتطلبه من نضال سياسي طويل الاجل دون استرخاء او وهن. والتحفظ على لفظ خسارة يأتي من كونه غير مناسب عند التحدث عن الحراك السياسي الذي خلقته المعارضة بامتياز. فايا ما كانت النتائج الانتخابية فان مجرد فرض واقع سياسي تنافسي متوازن نسبيا في الساحة السياسية في اليمن وبذلك الاسلوب السلس والمتأني يعتبر فوزا مرحليا لاحزاب المعارضة اليمنية التي تواجه وبامكانات بسيطة نسبيا آلة حكم عنيفة وخطيرة ممتلكة للثروة والنفوذ بمختلف اشكالهما.
أما اذا ما فازت المعارضة في الانتخابات الرئاسية الحالية فان تحديات جسيمة ستكون بانتظارها تتمثل بداية في رد فعل الحزب الحاكم ومدى تقبله للنتائج ومدى استعداده لتسليم السلطة سلميا. فمازالت تجربة فوز حركة حماس – مع بعض الاختلاف – ماثلة للعيان. فالانظمة العربية - حتى ولو كانت تحت الاحتلال والوصاية – غير مستعدة للقبول بالخيارات الديمقراطية لشعوبها ولا تتوانى في استخدام كل ما لديها من وسائل الضغط والقوة للاستئثار بالسلطة.
اما اذا قبل الحاكم بنتيجة الانتخابات وسلم السلطة للمعارض الفائز فانه يكون قد خلف وراءه تركة ثقيلة من الاختلالات السياسية والادارية والاقتصادية لتشكل التحدي الاساسي للمعارضة الني تحمل شعارات الاصلاح السياسي والاداري وتطوير الاداء الاقتصادي واعادة توزيع الثروة على نحو يخدم غايات المجمتع.
اما التحديات الراهنة خلال فترة المنافسة الانتخابية فهي جلية للمتابعين منذ مدة.  حيث ان تكافؤ الفرص في عملية الدعاية الانتخابية مفقود تماما. فالحزب الحاكم يسيطر على وسائل الاعلام المرئي الرسمية (البث التلفزيوني) ويحتكر كافة مواده الاعلامية من برامج واخبار لصالح مرشحه للرئاسة وعلى نحو سافر. والمتابع لبرامج التلفزيون اليمني والمواد الاعلامية للصحف الرسمية ومواقعها على الانترنت يدرك ان هناك استنفار اعلامي غير اعتيادي في وسائل الاعلام الرسمية لصالح الحزب الحاكم. صحيح ان الاعلام الرسمي معتاد على هذا التوجه المنحرف الا انه في الفترة الراهنة مستنفر بشكل أكبر وهو الامر الذي يعكس حجم القلق والتوجس الذي يعيشه الحزب الحاكم ازاء "كابوس" الديمقراطية الذي لامفر من مواجهته.
اللجنة العليا للانتخابات وعلى نحو واضح لا تتمتع بالحيادية. فاذا ما تركنا جانبا كل مخالفاتها اثناء مرحلة القيد والتسجيل وركزنا على ممارساتها الحالية، فان ابرز ما يمكن ملاحظته هو انها تمارس الدعاية الانتخابية لمرشح الحزب الحاكم عبر وسائل الاعلام الرسمية وغيرها دون تردد، وتشن هجومها على المرشح المنافس ولا تتوانى عن تهديده بالحبس والاعتقال عبر البحث عن ذرائع مختلفة تسميها مخالفات انتخابية يرتكبها.
المعارضة تشكو كذلك من خروقات عديدة للحزب الحاكم في هذه المرحلة ابرزها تدخل السلطات الامنية في اعمال اللجان الانتخابية والاشرافية يصل الى حد اعتقال اعضائها ورؤسائها وهو الامر الذي يخلق توترا كبيرا في اوساط اللجان يهدد بحدوث اعمال عنف واسعة بدأت نذرها فعلا في محافظة الجوف شرقي البلاد.
المال العام لن يكون بعيدا عن متناول الحزب الحاكم ، ووفقا للمعارضة فان الضمان الاجتماعي هو حاليا تحت الاستغلال من قبل الحزب الحاكم في سعيه لكسب اصوات الناخبين. وهذا البند من الانفاق العام حيوي كونه مخصص للفئة الفقيرة في المجتمع وهي الفئة الاعرض بين فئات الناخبين في الجمهورية اليمنية.
غالبا ما يركز الحزب الحاكم على الاختلاف الايديولجي وعلى ماضي الخلافات والصراع بين اعضاء تحالف المعارضة (اللقاء المشترك) ، والاصوب انه وطالما قد قرر الجميع الاحتكام الى الجمهور ، فلا يوجد مبرر لأي لقاءات سرية بين طرف او اطراف للقاء المشترك مع قيادة الحزب الحاكم حتى ولو كان ذلك بعد التشاور المسبق بين جميع اعضاء اللقاء المشترك. على الاقل فان احترام ثقة الناخبين يستوجب الابتعاد عن تلك الممارسات في الفترة الحالية. وعليه فانه وان كان الحزب الحاكم يصر على احراج واستقطاب الاطراف للتحاور معه في هذه الفترة بالذات، فان الحوار يجب الا يكون في الغرف المغلقة ليخرج منها المحاورون يصرحون بان النتائج كانت ايجابية دون الادلاء باي تفاصيل. وبدلا من ذلك ينبغي ان يكون الحوار مفتوحا وشفافا للناخبين أصحاب القرار. فلا يجوز للمعارضة اليوم ان تمارس اي تكتم على علاقتها وحوارها مع الحزب الحاكم في وقت ينتظر فيه المراقبون مناظرات تلفزيونية بين المتنافسين وليس حوارات مغلقة بين الفرقاء.    

ولاية بونا الهندية