رمضان .. لحظات أخرى

  • منذ 18 سنة - Wednesday 05 October 2005
رمضان .. لحظات أخرى

ليس هناك أمة من الأمم التي تعيش الآن على وجه الأرض ذات علاقة متميزة بشهر من شهور العام كما هو حال الأمة الإسلامية مع شهر رمضان، حيث تتغير معه أحوال أبناء هذه الأمة وتتغير أيامه ولياليه بصورة تستدعي التأمل والاستقراء.
كل الشهور عند الأمم الأخرى تتشابه وتسير على وتيرة واحدة منذ بداية العام إلى آخره وكأن الإنسان يدور مع الشهور في حلقة زمنية مفرغة، وإذا ما حدث تغيير ما عند هذه الأمة أو تلك فإنه يبقى تغييرا طفيفا إذا ما قيس بالتغيير الذي يحدث خلال هذا الشهر داخل الأمة الإسلامية في كل أقطارها، وهو تغيير ينعكس على المسلمين المهاجرين في أي قطر لا يشاركهم احتفاءهم به، ولا يمكن له أن يغير قوانينه وانظمته لتتناسب مع هذا التغيير الذي يطرأ على حياتهم كما يطرأ على نفوسهم ومشاعرهم أيضا.
صحيح أن التغيير الذي يحدثه شهر رمضان لا يكون متساويا في الأقطار الإسلامية، وأن بعض هذه الأقطار يعطيه من العناية ما يفوق ما يعطيه أقطار أخرى إلا أنه ضيف كريم على الجميع وأنه يعلن عن نفسه بأساليب شتى تجعل الجميع كبارا وصغارا يترقبونه ويتغيرون به ومعه وصارت وسائل الإعلام الحديثة بعد ظهورها تزيد من هذا الاحتفاء والاستقبال وإن كان البعض من العقلاء يرون مبالغة في الاستعداد المادي وتقصيرا في الاستعداد الروحي، وتلك حقيقة لا يمكن انكارها فقد كان الصوم في مرحلة إعلانه كفريضة دينية دعوة عميقة إلى الاقتصاد والتقشف والزهد عن ملاذ الحياة طوال أيام الشهر حرصا على تربية المسلم وإعداده لتحمل المشاق والصبر على تقلبات الحياة.
ولا يستطيع هذا النفر من العقلاء أن ينظر بعين الرضا إلى هذا التحول في استقبال رمضان، فكل هذه القوائم من الكماليات وحشد ما لذ وطاب من المأكولات والمشروبات وكأن شهر التقشف والزهد وتربية النفس قد تحول إلى مناسبة عامة لصنع الولائم والانفاق الفاحش سيما في أوساط الأغنياء وكأن الفريضة الصامته الخفية والقائمة بين المسلم وربه قد تحولت إلى مباراة ساخنة تشارك فيها الأسواق بنصيب هائل من الاغراءات كما يلعب فيها الإعلام دور المحرض إلى المزيد، وكأنه لا صوم لمن لم يشارك في هذه الزفة المثيرة التي توشك أن تجعل المعنى الكبير للصوم يتلاشى ويتبدد على موائد الإسراف والتظاهر بالعناية الفائقة بهذا الزائر الكريم في حين أنها تكاد تكون عناية خاصة وفائقة بالأجساد وما تتطلبه من مأكولات فاخرة ومشهيات نادرة. وحتى لا يفهمني البعض خطأ أسارع إلى القول بأني أدعو، بل وألح في الدعوة إلى الاحتفاء بهذا القادم الكريم وتميزه عن سائر الشهور ولكن في حدود لا تخرجه عن دائرة الفريضة ولا تكون سببا في إزهاق الجيوب والبطون والانسياق وراء التقاليد والعادات التي تكرست عبر سنوات غابت فيها القدوة الحسنة ووقعت الأمة معها في أوهام وضلالات يصعب حصرها أو التكهن بعواقبها، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على الواقع العربي الإسلامي لنكتشف أن الصورة المصاحبة لهذه الضلالات قد وصلت إلى درجة غير مسبوقة من القتامة على كل المستويات.
ويستطيع المتتبع في الحاضر الكئيب أن يقرأ داخل الصورة القاتمة ملامح مشرقة أو في الامكان أن تكون مشرقة إذا تضافرت الجهود الفاعلة فالهجمة السياسية والاقتصادية رغم خطورتها وبشاعة ما تركته في النفوس لا تزال سطحية والمساحة التي تحتلها المقاومة تتسع يوما بعد آخر.
وهنا، من يدري أن رمضان، هذا الزائر السنوي الكريم قادر على أن يلملم أشلاء هذه الأمة الطعينة ويجعل قادتها يدركون أن الخطر لا يتهدد الأرض والناس في أقطارهم فحسب وإنما يتهدد الأنظمة التي يديرونها أيضا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلا عن جريدة الثورة