بعد رحلة من الضياع والمعاناة والتشرد، استمرت لأكثر من ٤ سنوات، أحيل الطفل »عبدالعزيز« الى محكمة صعدة لإثبات نسبه وإعادته لوالديه اللذين جاءا من محافظة صعدة للقاء طفلهما ذي السنوات العشر، بعد أربعة أعوام من الفراق، جسدت واقع الطفولة في اليمن، ورسمت ملامح غاية في البشاعة والقسوة لحياة فلذات الكباد.
عبدالعزيز؛ هذا الطفل البائس، اختطفه الفقر والفاقة وعصابات الجريمة، قبل أربعة أعوام، طفلاً لم يكمل السادسة، تحمل بعدها مشقة لاتتخيلها عقلية أبرع مؤلفي القصص التراجيدية.
وحشية الخاطفين هربت عبدالعزيز الى الأراضي السعودية، وأرغمته على العمل طوال نهار جيزان الحار في رعي الأغنام مقابل أجر رمزي كان يتقاضاه من الرجل السعودي.
بعد أربعة أعوام كاملة من العمل المتواصل تحت أشعة الشمس الحارقة، قرر آكلو لحوم البشر النزول عند رغبة عبدالعزيز، وإعادته الى اليمن، ليرجع لوالديه وإخوته وأطفال قريته بصعدة.
وكان تمكن من جمع ٠٠٥٧ ريال سعودي، ما يقارب نصف مليون ريال يمني، هي كل ما ادخره طوال أربعة سنوات من العمل الشاق.
عبدالعزيز لم يصرف ريالاً واحداً خلال فترة عمله، لم يذق الحلوى، ولم تلامس شفتاه مذاق العصير المعلب أو الفاكهة. ما لاقاه من أموال أثناء تهريبه الى السعودية، ومعاناة الجوع والعطش التي بلغت به حد الهلاك أثناء دخوله المملكة، جعلته يدرك ما الذي تعنيه المادة، الأمر الذي دفعه للاكتفاء بوجبات الطعام التي يقدمها له مالك الأغنام، والحفاظ على أجره الشهري كما هو طوال السنوات الأربع.
إلا أنه لم يكن يعلم أن الأقدار ستخبئ له غير ما رسمه في مخيلته. كما لم يكن يعلم أن كل مدخرات غربة السنوات الأربع ستؤول الى جيوب خاطفيه.
خاطفو عبدالعزيز أخذوا منه الـ٠٠٥٧ ريال سعودي، في طريق العودة الى اليمن، ورموه عند أول لوكندة على الحدود.. ومضوا.
هكذا، وبكل سهولة، سطت العصابة على "تحويشة" عمر عبدالعزيز طوال أربع سنوات، مثلما سطت من قبل، على طفولته وبراءته.
ما أقسى ما واجهه عبدالعزيز.. وما أبشع حياة الطفولة في بلد كاليمن!
ومن على الحدود اليمنية السعودية، بدأ عبدالعزيز رحلة ضياع جديدة دامت قرابة أسبوع، استنزفت كل ما يملكه الطفل من دموع، قبل أن يجده أحد فاعلي الخير، ويسلمه الى إدارة أمن الزهرة بالحديدة. ومن هناك الى إدارة البحث الجنائي بعمران، بعد أن قال لهم الطفل إنه من هناك. ليقرر الشيخ يحيى القحوم تبني ورعاية الطفل، والبحث عن والديه اللذين لايعرف عبدالعزيز اسميهما.
الخميس الماضي، تلقت إدارة أمن محافظة عمران برقية عاجلة من مكتب نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، تقضي بإرسال الطفل عبدالعزيز جبران علي (٠١سنوات) الى إدارة أمن محافظة صعدة، تمهيداً لتسليمه الى والده الذي يقطن في قرية الحجرة بمديرية "المشنق" -رازح -محافظة صعدة.
وتم إرسال الطفل مع اثنين من جنود الأمن، ومعهما الشيخ يحيى القحوم.
الطفل بكى داخل المحكمة، وصرخ رافضاً العودة الى والده الذي حضر الى المحكمة، ظهر السبت الماضي، فيما لم تحضر المرأة التي انفصلت عنه في وقت سابق، وتزوجت بآخر.
قال عبدالعزيز وهو يبكي: "ما أبغى أرجع الى أبي الذي تركني ضايع وما سألش عليّ".
الطفل ترجى الجميع أن يدعوه يعيش لدى الشيخ يحيى القحوم، الذي رعاه منذ أن عثر عليه. لكن ذلك لن يحدث.
هكذا انتهت فصول قصة الطفل عبدالعزيز، وكذلك بدأت.
أربع سنوات من التشرد والمعاناة انتهت به الى أسرة مفككة.. ليظل عبدالعزيز نموذجاً لملايين الأطفال اليمنيين، في بلد تنتهك فيه الطفولة، وتغتصب البراءة، في بلد تناسى فيه رجله الأول كل شيء، عدا الطاقة النووية التي منَّى الشعب بها.