عصابة خطفت طفلاً‮ ‬في‮ ‬السادسة من عمره وهربته الى السعودية ليعمل أربع سنوات في‮ ‬رعي‮ ‬الأغنام وفي‮ ‬طريق عودته لليمن سلبوه ‮٠٠٥٧ ‬ريال سعودي‮ ‬ور

عبدالعزيز‮.. ‬طفولة مهددة

  • الوحدوي نت -خاص - محمود طه
  • منذ 17 سنة - Monday 24 July 2006
عبدالعزيز‮.. ‬طفولة مهددة

بعد رحلة من الضياع والمعاناة والتشرد،‮ ‬استمرت لأكثر من ‮٤ ‬سنوات،‮ ‬أحيل الطفل‮ »‬عبدالعزيز‮« ‬الى محكمة صعدة لإثبات نسبه وإعادته لوالديه اللذين جاءا من محافظة صعدة للقاء طفلهما ذي‮ ‬السنوات العشر،‮ ‬بعد أربعة أعوام من الفراق،‮ ‬جسدت واقع الطفولة في‮ ‬اليمن،‮ ‬ورسمت ملامح‮ ‬غاية في‮ ‬البشاعة والقسوة لحياة فلذات الكباد‮.‬
عبدالعزيز؛ هذا الطفل البائس،‮ ‬اختطفه الفقر والفاقة وعصابات الجريمة،‮ ‬قبل أربعة أعوام،‮ ‬طفلاً‮ ‬لم‮ ‬يكمل السادسة،‮ ‬تحمل بعدها مشقة لاتتخيلها عقلية أبرع مؤلفي‮ ‬القصص التراجيدية‮.‬
وحشية الخاطفين هربت عبدالعزيز الى الأراضي‮ ‬السعودية،‮ ‬وأرغمته على العمل طوال نهار جيزان الحار في‮ ‬رعي‮ ‬الأغنام مقابل أجر رمزي‮ ‬كان‮ ‬يتقاضاه من الرجل السعودي‮.‬
بعد أربعة أعوام كاملة من العمل المتواصل تحت أشعة الشمس الحارقة،‮ ‬قرر آكلو لحوم البشر النزول عند رغبة عبدالعزيز،‮ ‬وإعادته الى اليمن،‮ ‬ليرجع لوالديه وإخوته وأطفال قريته بصعدة‮.‬
وكان تمكن من جمع ‮٠٠٥٧ ‬ريال سعودي،‮ ‬ما‮ ‬يقارب نصف مليون ريال‮ ‬يمني،‮ ‬هي‮ ‬كل ما ادخره طوال أربعة سنوات من العمل الشاق‮.‬
عبدالعزيز لم‮ ‬يصرف ريالاً‮ ‬واحداً‮ ‬خلال فترة عمله،‮ ‬لم‮ ‬يذق الحلوى،‮ ‬ولم تلامس شفتاه مذاق العصير المعلب أو الفاكهة‮. ‬ما لاقاه من أموال أثناء تهريبه الى السعودية،‮ ‬ومعاناة الجوع والعطش التي‮ ‬بلغت به حد الهلاك أثناء دخوله المملكة،‮ ‬جعلته‮ ‬يدرك ما الذي‮ ‬تعنيه المادة،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬دفعه للاكتفاء بوجبات الطعام التي‮ ‬يقدمها له مالك الأغنام،‮ ‬والحفاظ على أجره الشهري‮ ‬كما هو طوال السنوات الأربع‮.‬
إلا أنه لم‮ ‬يكن‮ ‬يعلم أن الأقدار ستخبئ له‮ ‬غير ما رسمه في‮ ‬مخيلته‮. ‬كما لم‮ ‬يكن‮ ‬يعلم أن كل مدخرات‮ ‬غربة السنوات الأربع ستؤول الى جيوب خاطفيه‮.‬
خاطفو عبدالعزيز أخذوا منه الـ‮٠٠٥٧ ‬ريال سعودي،‮ ‬في‮ ‬طريق العودة الى اليمن،‮ ‬ورموه عند أول لوكندة على الحدود‮.. ‬ومضوا‮.‬
هكذا،‮ ‬وبكل سهولة،‮ ‬سطت العصابة على‮ "‬تحويشة‮" ‬عمر عبدالعزيز طوال أربع سنوات،‮ ‬مثلما سطت من قبل،‮ ‬على طفولته وبراءته‮.‬
ما أقسى ما واجهه عبدالعزيز‮.. ‬وما أبشع حياة الطفولة في‮ ‬بلد كاليمن‮!‬
ومن على الحدود اليمنية السعودية،‮ ‬بدأ عبدالعزيز رحلة ضياع جديدة دامت قرابة أسبوع،‮ ‬استنزفت كل ما‮ ‬يملكه الطفل من دموع،‮ ‬قبل أن‮ ‬يجده أحد فاعلي‮ ‬الخير،‮ ‬ويسلمه الى إدارة أمن الزهرة بالحديدة‮. ‬ومن هناك الى إدارة البحث الجنائي‮ ‬بعمران،‮ ‬بعد أن قال لهم الطفل إنه من هناك‮. ‬ليقرر الشيخ‮ ‬يحيى القحوم تبني‮ ‬ورعاية الطفل،‮ ‬والبحث عن والديه اللذين لايعرف عبدالعزيز اسميهما‮.‬
الخميس الماضي،‮ ‬تلقت إدارة أمن محافظة عمران برقية عاجلة من مكتب نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية،‮ ‬تقضي‮ ‬بإرسال الطفل عبدالعزيز جبران علي‮ (٠١‬سنوات‮) ‬الى إدارة أمن محافظة صعدة،‮ ‬تمهيداً‮ ‬لتسليمه الى والده الذي‮ ‬يقطن في‮ ‬قرية الحجرة بمديرية‮ "‬المشنق‮" -‬رازح‮ -‬محافظة صعدة‮.‬
وتم إرسال الطفل مع اثنين من جنود الأمن،‮ ‬ومعهما الشيخ‮ ‬يحيى القحوم‮.‬
الطفل بكى داخل المحكمة،‮ ‬وصرخ رافضاً‮ ‬العودة الى والده الذي‮ ‬حضر الى المحكمة،‮ ‬ظهر السبت الماضي،‮ ‬فيما لم تحضر المرأة التي‮ ‬انفصلت عنه في‮ ‬وقت سابق،‮ ‬وتزوجت بآخر‮.‬
قال عبدالعزيز وهو‮ ‬يبكي‮: "‬ما أبغى أرجع الى أبي‮ ‬الذي‮ ‬تركني‮ ‬ضايع وما سألش عليّ‮".‬
الطفل ترجى الجميع أن‮ ‬يدعوه‮ ‬يعيش لدى الشيخ‮ ‬يحيى القحوم،‮ ‬الذي‮ ‬رعاه منذ أن عثر عليه‮. ‬لكن ذلك لن‮ ‬يحدث‮.‬
هكذا انتهت فصول قصة الطفل عبدالعزيز،‮ ‬وكذلك بدأت‮.‬
أربع سنوات من التشرد والمعاناة انتهت به الى أسرة مفككة‮.. ‬ليظل عبدالعزيز نموذجاً‮ ‬لملايين الأطفال اليمنيين،‮ ‬في‮ ‬بلد تنتهك فيه الطفولة،‮ ‬وتغتصب البراءة،‮ ‬في‮ ‬بلد تناسى فيه رجله الأول كل شيء،‮ ‬عدا الطاقة النووية التي‮ ‬منَّى الشعب بها‮.‬