الانتخابات الرئاسية في العالم العربي

  • محمد كريشان
  • منذ 17 سنة - Wednesday 28 June 2006
الانتخابات الرئاسية في العالم العربي

قالها بصرامة إنها ليست مسرحية سياسية فانتهت الأمور بالتأكد أنها لم تكن فقط مسرحية سياسية هزلية بل وفوق ذلك سيئة الإخراج أيضا. هذا باختصار شديد ما جري في اليمن مع الرئيس علي عبد الله صالح وكلامه الحاسم عن عدم الترشح مرة أخري لرئاسة الجمهورية وتراجعه فيما بعد ليركب نفس السفينة مع شعبه حتي الوصول إلي بر الأمان الله أعلم متي طالما أن الرحلة مستمرة منذ ثمانية وعشرين عاما بدون أي ترانزيت .
لم تكن هذه المرة الأولي التي يفعلها الرئيس اليمني فقد سبق له أن قال شيئا من هذا القبيل قبل أكثر من سبع سنوات لكنه تم تعديل الدستور حتي لا تتوقف ذات السفينة، وقبل 11 شهرا قال إنه لن يترشح وأصر علي ذلك أمام المؤتمر الاستثنائي للحزب الحاكم قبل أن يتراجع استجابة لإرادة الجماهير فأضاع صالح علي نفسه وعلينا مناسبة كانت يمكن أن تسجل له شخصيا ولبلاده بادرة لم يسبقه إليها أحد في سياق مماثل. والحقيقة أن الرجل لو لم يعد بأنه تارك المنصب من موقع الاقتدار والزهد والإيمان بضرورة التداول السلمي علي السلطة ولو لم يبد لنا قاطعا صريحا في رفض صيحات الرجاء المنافقة المطالبة ببقائه إلي يوم الدين، لما كتبنا ولما كتب غيرنا معاتبا لأن الرئيس صالح يكون هنا أحد هذا الطاقم الفريد الذي يحكمنا من المحيط إلي الخليج والذي لا يمكن أن يترك الملك إلا ليقابل صاحب الملك الذي لا يفني، وبالتالي فلا أحد يلومه إن هو آثر التمترس داخل هذه المعادلة ولم يغرنا بسابقة كم كنا سذجا حين صدقناها حتي أن بعض المعلقين كتب حاثا الرئيس اليمني علي رفض الضغوط الشعبية للبقاء بالقول اصمد يا سيادة الرئيس!! في وقت لم يكن الصمود جزءا من حساباته أصلا طالما أنه خضع في أيام معدودات.
العام الماضي سئل الرئيس المصري حسني مبارك عما إذا كان يعتزم عدم الترشح مرة أخري لانتخابات الرئاسة فأجاب في مقابلة صحافية بأنه قادر علي أن يفعل ذلك فتهب المنظمات والنقابات والاتحادات لمظاهرات شعبية تطالبه بالبقاء فيستجيب ولكنه لن يقدم علي شيء من هذا القبيل لأنه لا يريد حركات نص كم حسب تعبيره فأراح نفسه الحقيقة وأراحنا من مشاهد تصل فيها جرعة النفاق في الشارع ودوائر الحكم حدا لا يطاق. ولهذا فقد يلام مبارك وغيره علي التأبيد فوق كرسي الحكم لكن لا أحد يمكن أن يقول أنه حاول أن يدغدغ فيها شعورا عميقا تواقا للتغيير ثم قمعه من جديد لأن تحركا من هذا القبيل لن يزيد إلا في تعميق الإحباط المتراكم لعقود... وهذا ما فعله الرئيس صالح للأسف.
صحيح أن المعارضة اليمنية لم تكن مهيأة ولا جاهزة، وربما غير مصدقة، لالتقاط هذه اللحظة التاريخية وصحيح أنه ما من شخصية عامة معروفة كانت يمكن أن تكون في مستوي هذه اللحظة لتفعيلها بعد اقتناصها ولكن الصحيح أكثر أن ما سبق يظل في النهاية مسؤولية الرئيس الذي أمسك بدفة الحكم لثلاثة عقود لم يعمل خلالها أبدا علي تهيئة الأرضية السانحة لتداول سلمي للسلطة خارج التقاليد العربية الأصيلة في هذا المجال. ومن لم يفعل ذلك طوال هذه الفترة فلن يفعل بالتأكيد في سنين قليلة مقبلة اللهم ضمن ترتيبات مدبرة غير معلنة ومن الصعب محاسبة صاحبها عليها طالما هي لمحاسبة النوايا أقرب كما أنه من الصعب أن تجد في السفينة إياها ـ التي يفترض أن تحمل الجميع إلي بر الأمان وليس إلي أعماق المحيطات ـ من يمكن أن ينبري في لحظة شجاعة غير محسوبة أو حتي جنون مطالبا بدور الربان وهو يعلم علم اليقين أن الربان لن يترك مكانه لأحد خاصة وأن الهتافين له علي ظهرها كثر.
ما جري في اليمن، بغض النظر عن أية نوايا للرئيس وأية تفاصيل، مناسبة أظهرنا فيها مرة أخري كم نحن في هذه المنطقة عصيون علي التغيير وبالتالي فما جري لا يتعدي كسب مزيد من الملح علي جرح لا يراد له أن يندمل. 
 
نقلا عن القدس العربي