العقيد القذافي‮ ‬والوحدة الأفريقية

  • ‬كتب‮ - ‬المحرر السياسي‮
  • منذ 17 سنة - Tuesday 16 May 2006
العقيد القذافي‮ ‬والوحدة الأفريقية

منذ بضع سنوات،‮ ‬يمم العقيد معمر القذافي،‮ ‬قائد الثورة العربية الليبية،‮ ‬صوب القارة الأفريقية،‮ ‬داعياً‮ ‬وعاملاً‮ ‬على توحيدها‮. ‬هذا التوجه الجديد لانعتقد أنه بديل،‮ ‬أو على حساب دعوته للوحدة العربية،‮ ‬التي‮ ‬حاول لعدة سنوات الدفع بمشروعها دون أن‮ ‬يجد أي‮ ‬اهتمام أو استجابة من أشقائه الحكام العرب،‮ ‬ناهيك عما سببوه للأمة العربية من حالة الضعف والهوان،‮ ‬وانحدار المواقف،‮ ‬وسقوط الأدوار التي‮ ‬أضاعت فلسطين،‮ ‬وفرطت بالعراق،‮ ‬ووقفت موقف المتفرج من حصار الشعب العربي‮ ‬الليبي،‮ ‬فتحدته القارة الأفريقية،‮ ‬وكسرت طوقه،‮ ‬واخترقت جدرانه‮. ‬هذا الدور الأفريقي‮ ‬الشجاع ربما كان وراء إقناع العقيد القذافي‮ ‬في‮ ‬إعطاء القارة الأفريقية ومشروع وحدتها بعض الأولوية في‮ ‬جهوده واهتماماته،‮ ‬بغض النظر عن كون مقومات مشروع الوحدة العربية كاملة،‮ ‬ومقومات مشروع الوحدة الأفريقية‮ ‬غير واضحة،‮ ‬وقد تكون‮ ‬غير قابلة للاكتمال‮. ‬ولكن ما‮ ‬يعطينا المزيد من الوضوح حول الشوط الذي‮ ‬قطعه مشروع الوحدة الأفريقية،‮ ‬وما أثار اهتمامنا،‮ ‬هو ما طرحه العقيد القذافي‮ ‬في‮ ‬حديثه أمام البرلمان السنغالي،‮ ‬في‮ ‬أبريل الماضي،‮ ‬ونختار منه القضايا الأربع التالية‮:‬
الأولى‮: ‬كشف العقيد القذافي‮ ‬النقاب عن أن مشروع الوحدة الأفريقية مازال‮ ‬يراوح لدى الحكومات الأفريقية التي‮ ‬ظلت تبرر موقفها بأن البرلمانات لم تناقش المشروع‮. ‬وحينما التقى العقيد القذافي‮ ‬ببعض رؤساء وأعضاء البرلمانات الأفريقية،‮ ‬اكتشف أن الحكومات لم تطرح المشروع على هذه البرلمانات،‮ ‬وأن المشروع لازال في‮ ‬ملعبها،‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬أن الوضع الأفريقي‮ ‬ليس بأفضل حالاً‮ ‬من الوضع العربي‮ ‬في‮ ‬ما‮ ‬يختص بقضية الوحدة‮.‬
الثانية‮: ‬أثار العقيد القذافي‮ ‬موضوع اللغة،‮ ‬ودعا الشعوب الأفريقية الى استخدام لغتها الأصلية‮ »‬اللغة السواحلية‮«‬،‮ ‬وتدريسها في‮ ‬المدارس بدلاً‮ ‬من اللغات الأجنبية،‮ ‬والمقصود بالأجنبية هي‮ ‬التي‮ ‬خلفها الاستعمار،‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬وجود تعدد في‮ ‬اللغة،‮ ‬أجنبية وعربية وسواحلية،‮ ‬وربما‮ ‬غير ذلك‮. ‬هذا التعدد في‮ ‬اللغة‮ ‬يخلق تعدداً‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬ شيء له علاقة باللغة،‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تمثل فيه اللغة مقوما أول وأساسياً‮ ‬من مقومات أية وحدة،‮ ‬ناهيك عن أن الشعوب الأفريقية لاتدين كلها بالإسلام،‮ ‬مما‮ ‬يشكل عقبة أمام النظم والتشريعات‮.‬
الثالثة‮: ‬أثار العقيد القذافي‮ ‬موضوع الأحوال الشخصية،‮ ‬ودعا الشعوب الأفريقية الى إيجاد نظم للأحوال الشخصية،‮ ‬تحفظ الأسرة والمجتمع،‮ ‬وتنظم الحقوق والعلاقات‮. ‬وأشار الى الظلم الذي‮ ‬تتعرض له المرأة في‮ ‬المجتمعات الأفريقية،‮ ‬وضرب مثالاً‮ ‬بواحدة منهن خلفت خمسة عشر طفلاً‮ ‬من ثلاثة أزواج،‮ ‬وأصبحت هي‮ ‬المسؤولة وحدها عن رعايتهم والإنفاق عليهم،‮ ‬بعد أن تركهم آباؤهم وتخلوا عنهم،‮ ‬مع أن مسؤولية الرعاية والإنفاق تقع على الآباء في‮ ‬الأساس‮. ‬هذا الوضع هو الذي‮ ‬يخلق شباباً‮ ‬مشوهاً،‮ ‬وعرضة للانحراف والجريمة والاستخدام السيئ،‮ ‬ويضع أفريقيا موضع الانتقادات الدولية،‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬أن الشعوب الأفريقية التي‮ ‬نريد منها ونطالبها بالوحدة،‮ ‬مازالت عند الحاجة الى أن تنظم أحوالها الشخصية‮. ‬وهي‮ ‬قضية مفروغ‮ ‬منها في‮ ‬الأمة العربية،‮ ‬لاتحرجها،‮ ‬ولا تضعها في‮ ‬مرمى أي‮ ‬نقد‮.‬
الرابعة‮: ‬أثار العقيد القذافي‮ ‬موضوعاً‮ ‬ديمقراطياً‮ ‬يتعلق بتولي‮ ‬السلطة،‮ ‬وأنه من الممكن ديمقراطياً‮ ‬بقاء الحاكم حاكماً،‮ ‬ولو مدى الحياة،‮ ‬طالما‮ ‬يريده شعبه‮. ‬ودعا الشعوب الأفريقية الى إلغاء النصوص الدستورية التي‮ ‬تضع سقفاً‮ ‬لبقاء الحاكم في‮ ‬السلطة،‮ ‬ولا تعطيه حق الاستمرار فيها‮.‬
يبدو أن الأخ العقيد معمر القذافي‮ ‬غضبان وطفشان من الشعوب وليس من الحكام،‮ ‬لأن مثل هذه الدعوة تصب كلها في‮ ‬جراب الحكام،‮ ‬وليس في‮ ‬قنوات الشعوب‮. ‬ولكننا نريد هنا أن نقول إن الذين فكروا بنظام السقف الزمني‮ ‬كوسيلة للتغيير،‮ ‬كانوا‮ ‬يعلمون‮ ‬يقيناً‮ ‬صعوبة تغيير الحكام،‮ ‬ولو بالديمقراطية،‮ ‬في‮ ‬كثير من الأحيان،‮ ‬وأن الشعوب التي‮ ‬استطاعت أن تغير حكامها بالديمقراطية،‮ ‬قليلة في‮ ‬التاريخ الإنساني،‮ ‬أما الغالبية تجد نفسها أمام معادلة صعبة،‮ ‬تقول حساباتها وفلسفتها إن المواطن الذي‮ ‬يقبع داخل السلطة،‮ ‬ويمسك بزمامها،‮ ‬ويجلس على مقوماتها ومقدراتها دائماً،‮ ‬يحبه الشعب،‮ ‬سواءً‮ ‬بالاحتيال،‮ ‬أو رغم أنفه،‮ ‬بعكس المواطن الذي‮ ‬من خارج السلطة،‮ ‬فهو الخسران دائماً‮ ‬في‮ ‬المعادلة،‮ ‬وإن أحبه الناس‮. ‬وأمامنا أمثلة لا حصر لها،‮ ‬ولكننا سنكتفي‮ ‬بمثال واحد لرأس الديمقراطية في‮ ‬العالم،‮ ‬كما‮ ‬يدعون ويصنفون أنفسهم،‮ ‬ونقصد بها الديمقراطية الأمريكية،‮ ‬ففي‮ ‬الدورة الانتخابية الأولى التي‮ ‬خاضها جورج بوش من خارج السلطة،‮ ‬وصل الى السلطة بحكم محكمة،‮ ‬وليس بالديمقراطية‮. ‬وكانت‮ ‬غالبية أعضاء المحكمة من حزبه،‮ ‬أما في‮ ‬الدورة الانتخابية الثانية التي‮ ‬خاضها بوش من داخل السلطة،‮ ‬فقد انسحب منافسه الديمقراطي‮ ‬مسلماً‮ ‬بفوزه قبل أن تظهر النتائج النهائية‮.‬
إذن،‮ ‬فالشعوب الغالبة المغلوبة لاتحتاج فقط الى سقف زمني‮ ‬دستوري‮ ‬يحدد فترة البقاء في‮ ‬السلطة،‮ ‬ويحقق التغيير،‮ ‬بل تحتاج الى نصوص دستورية تحظر على السلطة أن تكون مرشحاً‮ ‬منافساً،‮ ‬وتقرر المنافسة عليها لمرشحين من خارجها ولا علاقة لهم بها‮. ‬وبمثل هذا الوضع‮ ‬يمكن أن تستقيم وتستقر المعادلة السياسية‮ (‬سلطة ومعارضة‮)‬،‮ ‬لأن السلطة حق عام لايمكن احتكاره أو حصره في‮ ‬شخص أو أشخاص،‮ ‬وإن نظام التداول لهذا الحق طريق ووسيلة للتغيير،‮ ‬والتغيير من سنن الله في‮ ‬الكون‮.‬