الرئيسية الأخبار عربي ودولي

حلبجة امريكية في الفلوجة

  • عبد الباري عطوان
  • منذ 18 سنة - Thursday 17 November 2005
 حلبجة امريكية في الفلوجة

لا نعرف ما هي حقيقة مشاعر السادة حكام العراق الجديد وهم يتابعون اعترافات المتحدثين باسم وزارة الدفاع الامريكية (البنتاغون) حول استخدام القوات الامريكية اسلحة كيماوية (الفوسفور الابيض) ضد المدنيين والمدافعين عن مدينة الفلوجة. ولكن ما نحن متأكدون منه ان هؤلاء، او معظمهم، لن يجرؤوا علي توجيه اي لوم للسيد الامريكي. فطالما ان ضحايا هذه الاسلحة الامريكية الكيماوية هم من العراقيين العرب المعارضين للاحتلال فليفعل الامريكيون ما شاؤوا بهم، وليحرقوهم بالطريقة التي يريدونها.
الفوسفور الابيض الذي استخدمته القوات الامريكية في الفلوجة، سلاح كيماوي خطير يحرق اجساد البشر، واستخدامه ممنوع قانونيا حسب معاهدة 1993 الدولية المتعلقة بحظر استخدام اسلحة الدمار الشامل، والكيماوية علي وجه الخصوص، في مناطق مكتظة بالسكان.
استخدام نظام الرئيس العراقي صدام حسين للاسلحة الكيماوية ضد شعبه (في حلبجة) كان من اهم الاسباب التي استندت اليها الادارة الامريكية لغزو العراق واحتلاله وتغيير نظامه. وها هي القوات الامريكية تستخدم الاسلحة الكيماوية نفسها، وبمباركة القيادة العراقية المنتخبة المؤتمنة علي تطبيق الدستور الذي تنص مواده بصراحة علي حماية حقوق الانسان العراقي وتوفير حياة كريمة له.
الرئيس جلال طالباني ووزير خارجيته هوشيار زيباري اللذان استخدما مجزرة حلبجة كقميص عثمان لتبرير الغزو، والتحالف مع الادارة الامريكية، في مشروعها لتدمير العراق وقتل مئة الف من ابناء شعبه، لم يعلقا بكلمة واحدة علي مجزرة الفلوجة الكيماوية الجديدة، فضحايا هذه المجزرة ليسوا من الاكراد، كما ان صاحبها ومنفذها هو المعلم الامريكي الاكبر المحصن من اي لوم او نقد.
العراق كله تحول الي مقبرة جماعية، وحقل تجارب لاستخدام كافة انواع الاسلحة، المحلل منها والمحرم، ضد ابنائه، ونموذج للجوع والفقر والبطالة وانعدام الامن والامان.
حكام العراق الجدد مجموعة من اللصوص والمنافقين والطائفيين الحاقدين المتعطشين للثأر والانتقام. يتصرفون بعقلية المافيات، وليس رجال دولة، فكل همهم نهب اكبر قدر ممكن من ثروات البلاد، وتوزيع المسروقات علي اتباعهم وعناصر ميليشياتهم التي تعيث في الارض فسادا.
انهم يتصرفون وكأن العراق محطة ترانزيت مؤقتة، لينهبوا ما استطاعوا من اموال وثروات، لانهم يدركون ان مشروعهم فاشل، وان الشعب سيحاسبهم علي جرائمهم وسرقاتهم، ولهذا يستعدون للهرب الي محطتهم النهائية التي جاؤوا منها، اي العواصم الغربية التي استخدمتهم كأدوات وكغطاء لغزو بلادهم واحتلالها.
مجموعة من الفضائح التي جري الكشف عنها في اليومين الماضيين تؤكد الدرك الاسفل الذي انحدر اليه هؤلاء، نوجزها في النقاط التالية:
اولا: اكتشاف القوات الامريكية وجود اكثر من 173 عراقيا في احد سجون وزارة الداخلية، المكلفة رسميا بحفظ الامن وتطبيق العدالة وحماية ارواح المواطنين، يعانون من الجوع وسوء التغذية والتعذيب البشع.
بعضهم، وحسب الشهادات الامريكية، اصيب بعجز جسدي كامل، والبعض الآخر انسلخ جلده عن لحمه، ومعظمهم يعانون من حروق وآثار طعنات. هؤلاء لم توجه لهم اي تهمة، ولم يقدموا لاي محاكمة بل لا يعرف اهلهم اين مكانهم.
ثانيا: لا يمر اسبوع دون اكتشاف مجموعة من الجثث لأناس جري خطفهم من قبل رجال الشرطة والحرس الوطني، مقيدي الايدي الي الخلف، ومقتولين برصاصة في الرأس.
ثالثا: سرقة اكثر من ملياري دولار من ميزانية وزارة الدفاع وحدها، واضعاف هذا الرقم من عوائد النفط، حيث الآبار بلا عدادات. واللصوص يتصرفون كزعماء المافيا، يتنقلون بين العواصم الغربية بطائرات خاصة، ويشترون العقارات والاسهم بمئات الملايين من الدولارات في عمان ودبي ولندن، وبعض هؤلاء، كان وحتي قبل ثلاث سنوات يعيش علي معونات الضمان الاجتماعي المتواضعة في بعض البلدان الاوروبية مثل بريطانيا.
ما يجري في العراق حاليا، سواء علي ايدي حكامه، او قوات الاحتلال، وصمة عار في جبين الانسانية، ففي اقل من عامين بدأت الفضائح والجرائم تطفو علي السطح، وما عرفناه حتي الآن قد يكون قمة جبل جليد من المجازر وانتهاكات حقوق الانسان. عرفنا قليلا عما حدث في الفلوجة، تري متي نعرف حقائق ما جري ويجري في القائم وتلعفر وسامراء في ظل التعتيم الاعلامي الكامل؟
ما كنا سنعرف عن استخدام الاسلحة الكيماوية ضد العراقيين الابرياء في الفلوجة لولا صحوة ضمير لدي بعض الجنود الامريكان عبروا عنها باعترافاتهم الجريئة والشجاعة في رسائل بعثوها الي مجلة عسكرية نشرت التفاصيل كاملة.
فالادارة الامريكية التي تتحدث عن حرية الصحافة وانتقال المعلومات في العراق الجديد مارست عملية تضليل وكذب واضحة، وحجبت المعلومات كليا عن الرأي العام العالمي.
العراق الجديد لم يعد نموذجا يصدر الديمقراطية وقيم حقوق الانسان الي جيرانه، وانما الارهاب والعنف، والكذب واستخدام الاسلحة الكيماوية ضد الابرياء.
العراق الجديد بات يصدر الانتحاريين، بل اصبح لديه فائض منهم، واقدام ثلاثة عراقيين علي تفجير انفسهم في فنادق عمان هو دليل علي ان كل ما قالته واشنطن ويكرره الجعفري وطالباني ومن لف لفهما حول الانتحاريين الاجانب مجرد اكاذيب. فالعراق ليس بحاجة الي متسللين عبر سورية او غيرها، ولديه ما يكفي ويزيد، وبما يسمح بالتصدير الي دول الجوار.
لا نطالب بلجنة تحقيق دولية في جريمة استخدام الاسلحة الكيماوية، وغرف التعذيب للابرياء في مقرات وزارة الداخلية فقط، وانما نطالب ايضا بتقديم كل المسؤولين عن هذه الحرب القذرة الي المحاكم كمجرمي حرب، وعلي رأس هؤلاء الرئيس جورج بوش وتابعه توني بلير وكل حكام العراق الجديد ابتداء بطالباني رئيس الجمهورية ومرورا بالجعفري رئيس الوزراء، وانتهاء ببيان جبر وزير الداخلية.
 
 
رئيس تحرير القدس العربي