"ليس حرّاُ من يهانُ أمامه إنسانٌ ولا يشعرُ بالإهانه".. نيلسون مانديلا
إنّ ما حلّ بأصحاب البسطات في تعزّ إهانةٌ لكل أحرار تعز, إهانةٌ للثورة التي أشعل فتيلها أبناء شارع التحرير والمركزي وفي مقدمتهم بالطبع أصحاب البسطات والباعة المتجولون الذي حلموا يومها بغدٍ أكثر إشراقاً ومستقبلٍ يضمن لهم عيشاً أكثر كرامةٍ وإنسانية, ولم يعلموا يومها أنهم إنما يشعلون فتيل بسطاتهم ويحرقون مصدر رزقهم الوحيد! لم يعلموا أن ثورتهم التي استبسلوا في الدفاع عنها وقدموا قوافل الشهداء في سبيلها إنما ستُغتصب لتحبل وتلدَ (شوقي هائل) الذي أطفأ كل أملِ برق في أعين هؤلاء الشباب بمستقبلٍ أفضل.. هؤلاء الباعة هم إما طفل لم يعرف بعد معنى الطفولة حتى وجد نفسه مسئولاً عن أسرة تنتظره كل يوم ليعود لها بقيمة زبادي الشفوت, أو شاب لم تغنِ له شهائده من الفقر شيئاً يحلم بحالة من الاستقرار المحدود, أو رجل غاد بيته وأطفاله يحلم بأن يعود لهم بأبسط مايمكن أن يدخل إلى قلوبهم الفرحة بقدوم العيد.. كل هؤلاء أحلامهم جُرفت بالغرّافات والمعدات الثقيلة في مشهدٍ يعيد إلى ذاكرتنا مشهد (محرقة ساحة الحرية) , والمشهدان ليسا ببعيدين عن بعضهما, ففي ساحة الحرية أُحرقت أجساد الثوار وفي شارع 26 أُحرقت كرامتهم وأحلامهم ولقمة عيشهم... والحقيقة أنه ليس بمستغرب التشابه بين المشهدين , فالفاعل في المحرقتين واحدُ! وإن كان في الأولى ظاهراً وفي الثانية من وراء ستار! اللجنة (الشوقي عوبلية) بررت جُرمها بسببين: الأول حفاظاً على مظهر المدينة ! وأخشى أن هناك من سيتهمني بأنني ضدّ إماطة اللثام عن "الوجه الحضاري والمشرق لمدينة تعز" ! ومن ذا الذي لايحلم بمدينة نظيفة وشوارع متسعة وآمنة؟!! ولكن.... ألم يجد مسؤولونا مايشوه مدينة تعز سوى العربيات وبسطات الباعة التي تكاد تتلاشى مع انتهاء موسم رمضان؟! وهل البلاليع المتفجرة في الشوارع الرئيسية كشارع محمد علي عثمان ووادي القاضي وعصيفره (شارع مجمعات بني هايل), أتُراها نوافير "ديزني وورلد" أم شلالات "نياجرا" السياحيه؟!! غايتكم سامية سيدي المحافظ لكنّ وسيلتكم للأسف عجفاء عرجاء! أما السبب الثاني بحسب ماجاء في تبرير اللجنة فهو عقاباً لهؤلاء الباعة الذي احتموا بالبلاطجة والمسلحين في مواجهة الدولة! ولكن يا سيادة المحافظ ألست أنت من علمهم وسنَ لهم سياسة الاحتماء الغير شرعية هذه؟؟!! ألم تضع أنت قبلهم يدك بأيدي المشائخ وتجار الأسلحة وتطلب معونتهم في ((حل مشاكل المدينة)) ؟!! فإذا كان (القانون) في دولة الشيخ والبلطجيّ قد ضعف في نظرك أنت , فهل سيكون قوياً في نظر هؤلاء الكادحين المغلوبين المقهورين؟!! وأخيراً.. إن جمال المدينة – سيدي المحافظ - في كرامة أبنائها, ونظافتها في إزالة مخلفات العهد العفاشي المتعفنة في دار المحافظة وكنس وحرق توجيهاتها التي تُملى عليك بكرةً وأصيلاً...